ننحاز للانفاق الاستثمارى ولا داعى للقلق على الدين الخارجى لأن %50 من المساعدات العربية «منح»
الشركاء الأجانب للبترول وافقوا على جدولة مديونياتهم وسداد جزء بالعملة المحلية قريباً
حكومة الببلاوى ستخوض معركة هيكلة دعم الطاقة حتى تعد برنامجا متوافقاً عليه ينفذ خلال 3 سنوات
لم يجد الدكتور أحمد جلال، وزير المالية “حرجا” فى أن يقول انه متفائل بوضع الاقتصاد المصرى رغم عثراته العنيفة والمتلاحقة، وأعرب عن دهشته من تخوفنا أثناء الحوار معه ووصفنا الاقتصاد بأنه “حزين”، وحينما سألنا عن دلالات تفاؤله أشار إلى الدعم العربى الضخم وخطة تحفيز الاقتصاد والمسار السياسى الذى يسير بشكل إيجابى.
وقال جلال فى حوار لـ”البورصة” إن الحكومة تجاوزت النظرية التقشفية “على قد لحافك مد رجليك “ والتى لا تناسب المرحلة الحالية، وتتبع سياسات توسعية لا ترفع عجز الموازنة المنفلت، وتستند بشكل كبير على12 مليار دولار مساعدات عربية تعهدت بها الكويت والسعودية والامارات عقب الموجة الثانية لثورة يناير فى 30 يوليو، التى أطاحت بحكم الرئيس محمد مرسى، بما يعنى أن الحكومة ستمد أرجلها تحت “لحاف” المساعدات العربية .
واعترف جلال أن الاقتصاد المصرى يعمل على “جهاز تنفس عربى “، وتوقع أن يتنفس محليا قريبا، عبر طمأنة مجتمع المال والاعمال الداخلى والخارجى بخطة تحفيز تتضمن استثمارات بقيمة 85 مليار جنيه، تمهد الطريق امام القطاع الخاص .
وزير المالية أكد أن الحكومة ستنحاز إلى الانفاق الاستثمارى لا الاستهلاكى فى التعامل مع جميع المساعدات الخارجية، وقال إنه لاخوف من زيادة حجم الدين بالمساعدات الأخيرة البالغة 12 مليار دولار، لأن %50 منها عبارة عن منح لا ترد منها 3 مليارات دولار نقدا ومثلها احتياجات بترولية تخفف الضغط على الميزان التجارى وتخفض فاتورة الاستيراد الخارجى وتسمح بقدر من الانتعاش لقيمة العملة.
وتابع جلال “باقى المساعدات البالغة 6مليارات دولار تتوزع بين قروض وودائع تدعم الاحتياطى ما يخفض من تكلفة الاقتراض المحلى ويسمح للقطاع الخاص الحصول على تمويل يسهم فى تحريك عجلة الاقتصاد” .
وتعرض الاقتصاد المصرى لهزات عنيفة منذ الاطاحة بنظام الرئيس مبارك يناير 2011من نزوح للأجانب وتراجع عوائد السياحة كمصادر رئيسية للعملة الصعبة حائط الصد الرئيسى لتأمين احتياجاتنا الخارجية من وقود وسلع تموينية إضافة الى تآكل الاحتياطى الأجنبى ليفقد أكثر من %50 نزولا من 36 مليار دولار، صاحبه انفلات أمنى عطل دخول أى استثمارات محلية أو خارجية السوق وأزعج المستثمرين ما أغلق العديد من المصانع ليرفع معدلات البطالة .
وتابع وزير المالية أن خطة التحفيز الذى بدأتها الحكومة منذ أيام، ستتضمن سداد مستحقات المقاولين بداية من الشهر المقبل والتى تختلف التقديرات حولها بين 2.5 مليار و4 مليارات جنيه، مايسمح بتنشيط قطاع المقاولات كثيفة العمالة وبناء سكك حديدية وطرق وجسور واقامة 131 محطة لمعالجة مياه الشرب والصرف الصحى إلى جانب توسيع شبكة مترو الأنفاق بالقاهرة وإدخال مزيد من التحسينات على شبكة المواصلات.
وقال إن الحكومة ستعمل على زيادة عدد الوحدات السكنية الحكومية الجديدة المخصصة لمحدودى الدخل التى من المقرر الانتهاء منها هذا العام إلى 100 ألف وحدة بدلا من 50 ألف وحدة كما كان مخططا له فى السابق، كما تسعى لتوصيل المرافق إلى 36 منطقة صناعية يقع عدد كبير منها فى جنوب مصر بهدف جذب 4000 مشروع توفر 450 ألف وظيفة.
وأوضح أن الحكومة ستخوض معركة هيكلة دعم الطاقة الذى يلتهم ربع موازنة الدولة، عبر حوار شامل وموسع مع جميع الاطراف المعنية واصحاب المصلحة ينتهى إلى برنامج لاصلاح منظومة الدعم ينفذ خلال فترة بين 3 الى 5 سنوات، بدأت مرحلته الأولى حاليا بالحد من التهريب والتسريب وحصر عدد المحطات المستفيدة ومتابعة سير الشاحنات وتفريغها، خاصة أنه تبين وجود محطات وهمية.
وتابع قائلا “الاستعجال فى تحريك أسعار المشتقات البترولية غير مفيد حاليا، والأولى ضبط المنظومة حاليا بوضع قاعدة بيانات كاملة، ، فإصلاح دعم الطاقة واستخدام البطاقات الذكية سيوفر 30 مليار جنيه ستسهم فى تحجيم عجز الموازنة البالغ 220 مليون جنيه العام المالى الماضى .
أوضح أن السفير السويسرى قال له “أشعر بالذنب بتموين سيارتى ببنزين مدعم للمواطن المصرى، فكيف لحكومتك أن تدعم المواطن السويسرى “.
وأوضح أن ملف الدعم النقدى “المشروط “مؤجل قليلا لننتقل من دعم السلعة الى دعم المستهلك لتحسين أوضاع المواطنين المتضررين من الاضطرابات السياسية والاقتصادية بعيدا عن أى إجراءات تقشفية تثير غضب المواطنين .
وتابع “سنبدأ بحصر الحالات المستحقة أولا، وسيتم ربط الدعم النقدى بحصول الاطفال على تطعيماتهم والتزامهم فى المدارس كما هو مطبق فى البرازيل وشيلى “، لكنه عاود ليؤكد أنه لا نية حاليا لرفع دعم السلع التموينية .
وقال جلال الذى لايزال يغلب عليه الطابع البحثى الاكاديمى لعمله كرئيس لمنتدى البحوث الاقتصادية وباحث فى البنك الدولى، إن “كينز” عالم الاقتصاد يرجح السياسة التوسعية وقت الازمات والانكماشية وقت الانفراجة، وتناسى أن الوضع الاقتصادى بمصر مختلف ويتطلب تحركات عاجلة على أرض الواقع بعيدا عن النظريات الاقتصادية الجامدة التى كسرها الواقع المتغيير .
ووصف وزير المالية حالة الاقتصاد بعد 30 يوليو بأنه «متباطئ وبشدة» تأثرا بالعجز الكبير فى الموازنة البالغ %14 خلال العام المالى 2012ـ2013 .
ويعيش نحو %40 من المصريين تحت خط الفقر بدخل يبلغ دولارين فى المتوسط للشخص يوميا، ويعتمدون على البطاقات التموينية فى شراء السلع المدعمة.
وقال جلال إن صناع السياسات المالية لايمتلكون وقتا ولا سيولة، وتجاهد الحكومة لضخ سيولة فى شرايين الاقتصاد عبر تحويل جزء كبير من المساعدات الخارجية خاصة العربية الى استثمارات تسهم فى خلق فرص عمل وتوليد عائد يجنب لسداد هذه الديون وفوائدها فى المستقبل حتى لا تتحملها الاجيال القادمة .
وقال جلال إن الحكومة فى مشاورات مستمرة مع الشركاء الاجانب فى قطاع البترول لسداد مستحقاتهم المقدرة بـ6 مليارات دولار، عبر جدولتها والتفاوض على سداد جزء منها بالعملة المحلية والآخر بالدولار، ويجرى الآن الاتفاق على النسبة التى سيتم سدادها بالعملة المحلية، وتوقع ان تبدأ عملية السداد قبل نهاية العام الجارى حفاظا على بقاء الشركاء الأجانب فى السوق المصرى وضمان استمرارهم.
وتابع جلال إن اجتماعا جمعه ومحافظ البنك المركزى إلى جانب ووزير البترول مع الشركاء الاجانب لطمأنتهم على الاوضاع فى مصر وعلى مستحقاتهم، موضحا أن الشركاء الأجانب أبدوا موافقتهم مبدئيا على جدولة المستحقات وسداء جزء منها بالعملة المحلية وتعهدوا باستكمال اعمالهم من حفر وتنقيب واستكشاف .
وبينما توقع بنك الاستثمار بلتون فاينانشيال، تراجع احتياطى النقد الأجنبى لدى البنك المركزى خلال الشهر الحالى بقيمة 500 مليون دولار إذا لم تحصل على أى مساعدات خارجية جديدة، حيث تتسدد الحكومة 1.25 مليار دولار فوائد للسندات السيادية أجل 2015 المضمونة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، قال جلال “هذا لايقلقنى فانتم تتحدثون عن ملايين الدولارات مايقلقنى المليارات ولابد من النظر الى الاتجاه العام والذى سيتخلله تحسن فى عدة قطاعات وليس التحركات العرضية المؤقتة “.
وبسؤاله عن تأثير هذا الوضع على الأجل الطويل حال عدم تعافى السياحة وقدوم مساعدات واستثمارات قال “لاداعى للتشاؤم فتحويلات المصريين بالخارج قفزت بشكل غير عادى العام الماضى إلى 10 مليارات جنيه ما يعطى مردودا إيجابيا فى الاحتياطى الاجنبى .
كان احتياطى النقد الأجنبى قد ارتفع بقيمة 38 مليون دولار ليصل 18.9 مليار دولار أغسطس الماضى، وفقا لبيانات البنك المركزى.
ويرى جلال أن حكومة الببلاوى تعمل فى ظل حظر تجوال وحالة طوارئ مايصعب من مهامها، لكنه يتوقع حدوث تحسن فى الوضع الاقتصادى خلال أشهر قليلة .
يأتى ذلك بينما تتوقع بلتون أن يواجه ميزان المدفوعات ضغوطا خلال العام الحالى بالنظر إلى حجم تلك الضغوط فى سبتمبر التى قد تؤدى إلى انخفاض الاحتياطى الاجنبى المصرى قليلا، حال عدم حصوله على مساعدات جديدة.
وقال وزير المالية، إن تقليص عجز الموازنة الى %9 نزولا من %14وتحقيق نمو مابين 3.5 الى %4 مقابل %2.2 خلال العام المالى الجارى “صعب ” لكننا قادرون على تحقيقه نزولا من %14 العام المالى الماضى، ما يؤدى الى تقليل الاقتراض من القطاع العائلى حتى لا يضر محدودى الدخل ولاترتفع اسعار البامية والطماطم .
وتابع “رد الوديعة القطرية البالغة 2 مليار دولار لن يؤثر على وضعنا الاقتصادى نظرا لفشل مفاوضات تحويلها الى سندات “مؤكدا أن مقومات الاقتصاد المصرى لم تتأثر.
أكد الوزير أن الحكومة لا تميل الى فرض ضرائب حاليا باعتبارها آلية تقلل من الموارد المتاحة لأفراد المجتمع للاستثمار والاستهلاك، ما يعرقل تنشيط الاقتصاد الذى تستهدفه الحكومة، لافتا الى وجود تنسيق وتكامل بين السياستين المالية والنقدية بالتعاون مع البنك المركزى .
وتابع “هناك تنسيق كامل بين صناع السياسة المالية والنقدية، فتحرص وزارة المالية على عدم فرض ضرائب جديدة دعما للسياسة النقدية التى خفضت اسعار الفائدة من أجل تقليل عبء تمويل المشروعات الجديدة والاستثمارات الخاصة.
وربط جلال إعادة النظر فى المنظومة الضريبية باستعادة النشاط الاقتصادى بوجه عام لتحقيق المزيد من الموارد للدولة، بهدف تخفيض عجز الموازنة وزيادة قدرتنا على تمويل البرامج الاجتماعية، موضحا أن وزارته تدرس حاليا الانتقال للضريبة على القيمة المضافة بدلاً من ضريبة المبيعات باعتبارها أكثر عدالة.
وقال ان وزارة المالية تركز حاليا على شرح قواعد ومبادئ الضريبة العقارية للجمهور خاصة مع بدء تطبيق الضريبة والتأكد من فعالية آليات الاعتراض على التقديرات الضريبية مثل لجان الطعن والجارى إعادة تشكيلها لضمان توازن التشكيل بين ممثلى الجهات الحكومية والخبراء والمكلفين بأداء الضريبة.
أضاف أن الحكومة تدرس أيضا وضع حزمة حوافز لضم القطاع غير الرسمى لمظلة الدولة بما يحقق الاستقرار الاقتصادى وزيادة حصيلة الإيرادات العامة والأهم تحسين المناخ الذى تعمل فى ظله هذه المنشآت والعاملين بها وهو الامر الذى يعد مكسباً لجميع الاطراف الحكومة والمجتمع.
ويرى الوزير أنه لابديل أمام الحكومة سوى تحسين مناخ الاستثمار عبر الاسراع بحل مشاكل المستثمرين بصفة عامة بالتوازى مع فض منازعات المستثمرين مع الجهات الحكومية كل على حدة، لافتا الى أن الاعفاءات الضريبية ليست الآلية المثلى لجذب الاستثمارات المحلية والاجنبية حيث تؤكد الدراسات الدولية ان تحسين مناخ الاستثمار وتذليل العقبات وتوفير البنية التحتية اهم العوامل التى تحكم قرار الاستثمار فى الدول المختلفة.
وقال إنه لا نية لخوض جولة جديدة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولى لاقتراض 4.8 مليار دولار تسعف الوضع الاقتصادى، خاصة فى وجود حزمة مساعدات عربية وضعت البلاد على أرض صلبة، على حد قوله .
وتابع “أرفض إختزال حلول مشاكل مصر المالية والاقتصادية فى قرض الصندوق كما فعلت الحكومات السابقة، فالتوجه لصندوق واحد من حلول كثيرة وليس البديل الوحيد.
