بقلم: يوشكا فيشر
قالوا قديما إن السفر يوسع المدارك، وينطبق هذا القول بشكل خاص على الشرق الأوسط، ومع ذلك، فإن السفر إلى هناك حاليا قد يكون مربكا للغاية حيث أصبحت تطورات الاحداث التى كان يصعب تخيلها منذ أشهر قليلة واقعا حقيقيا هناك.
وانتهت ثورة الشباب التى بدأت فى تونس والقاهرة فى 2011 ـ 2012 على الأقل حاليا، رغم أن المنطقة تغيرت بشدة بسببها، ويبدو أن انتصار الثورة المضادة – كما فى مصر – قد أعاد النظام القديم، بل إن النظام الحالى ذو أساسات غاية فى الهشاشة.
وما يلاحظ بنفس القدر هو التحول الدائم فى المحاور الاستراتيجية السياسية فى المنطقة، فأصبحت إيران وطموحاتها النووية وتطلعاتها للهيمنة هى مركز الاهتمام بينما تم تهميش المركز السابق وهو الصراع الإسرائيلى الفلسطيني، ثم نشأت تحالفات جديدة كليا وفقا للمصالح.
وأصبحت السعودية وإسرائيل اللتان ليست لهما علاقات دبلوماسية رسمية متحدتان أمام إيران وأمام احتمالية الانفتاح الأمريكى الإيراني.
وأيدلوجيا، يستند الصراع بين إيران وجيرانها على الصراع الطائفى بين السنة والشيعة، وتستقر الحرب الأهلية المدمرة فى سوريا بالفعل وفق هذا السياق، وبالنظر إلى علامات الجمود بين الوسط السياسى والعسكري، فإن هذا الصراع قد يكون أساس انقسام دائم فى الدولة مثلما حدث فى البوسنة.
وإذا حدث ذلك، فلن يمر مرور الكرام على العراق ولبنان والأردن، وسوف ينتهى للأبد التقسيم الذى اتفقت عليه بريطانيا وفرنسا فى اتفاق سايكس بيكو فى مايو 1916، وعلاوة على ذلك، فقد ظهرت مجددا القضية الكردية التى قد تؤثر بشكل غير مباشر على القضية الفلسطينية وتعيد إحياءها بطريقة راديكالية.
وللأسف، لا يوجد أى دليل على أن التسوية الإسرائيلية الفلسطينية القائمة على حل الدولتين قد تحول دون تطور الأحداث بهذا الشكل.
ثم إن هناك التساؤل بشأن العواقب طويلة المدى لإعادة ميلاد القاعدة فى صورة حركة جهادية سنية فى سوريا واليمن وشمال وشرق أفريقيا، وتحاول الملكيات الخليجية دفع هذا الوحش عسكريا ضد إيران، ولكن ماذا سيحدث عندما يخرج الوحش عن سيطرتهم؟ وهل سيتحول نحو شبه الجزيرة العربية؟ وهل تتحمل المؤسسات المحلية لهذه المجتمعات مثل هذه الهجمات؟
ومازالت النخبة السياسية عبر الشرق الأوسط واقعة فى فخ سياسة القوة وأفكار القرن التاسع عشر المتعلقة بالسيادة، وتحول شعاراتهم الاستراتيجية مثل التنافسية الوطنية والتوازن وأفكار الهيمنة دون تطور أفكار ودول المنطقة فى المستقبل.
ومازالت غريبة فكرة التعاون الاقتصادى بين دول المنطقة، رغم أن هذا التعاون ضرورى لتحقيق نمو مستدام وتنمية اجتماعية، هذا فضلا عن إطار الأمن الإقليمى الذى يضمن السلام والاستقرار.
ويعانى الشرق الأوسط فى جوهره من أزمة الحداثة، فالشباب الثورى الذى قاد المطالب الشعبية للتغيير يعيد رسم خطته وترتيب صفوفه، ولكن بالنظر إلى الشلل الفكرى لحكام المنطقة وأجزاء عريضة من المعارضة، يمكن توقع انتفاضة أكثر عنفا، وسوف تلعب مصر – شاءت أو أبت – دورا ملهما للمنطقة بأكملها كما فعلت فى السابق.
ويصحب أزمة الحداثة فى الشرق الأوسط، الانسحاب الجزئى لقوة الولايات المتحدة المنهكة، مما تسبب فى قلق متزايد فى المنطقة وساهم فى الإطاحة بالتحالفات القائمة والبحث عن تحالفات جديدة.
وأعطت الحرب فى العراق، القوة الاستراتيجية المشهودة اليوم لإيران، وبالرغم من أن الرئيس باراك أوباما هو الذى أنهى الحرب فى العراق وأفغانستان اللتين افتعلهما جورج بوش ومستشاروه، فينظر إليه الآن على أنه ضعيف فى الشرق الأوسط.
ويتعرض أوباما لانتقاد شديد بسبب عدم تدخله عسكريا فى سوريا، رغم أن تهديده للتدخل أجبرت حكومة بشار الأسد على التنازل عن أسلحتها الكيميائية، وبالمثل، بدلا من ترك إيران تقوى أكثر، فقد ضيق الخناق عليها من خلال قيادة المبادرة العالمية لعقوبات اقتصادية اكثر صرامة.
ومع ذلك فإن ما يخشاه حلفاء أمريكا فى الشرق الأوسط أكثر – فضلا عن الضعف – هو حدوث تغيير كبير للوضع الراهن.
وعلى ما يبدو فإن سياسة أوباما تستهدف تحديدا تحقيق انفتاح نووى مع إيران، وإنهاء الحرب الأهلية فى سوريا من خلال جهاز أمنى إقليمي، فضلاً عن حل الدولتين للصراع الإسرائيلى الفلسطينى.
وتبدو هذه السياسة خيالية للغاية، نظرا لقوى القصور الذاتى لمشكلات المنطقة، ولكن إذا قهر أوباما التوقعات ونجح، سوف تكون انجازاته تاريخية، ولكن ماذا إذا فشل؟ سوف يواصل الشرق الأوسط انحداره نحو الدمار.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت








