إذن لقد عاد «الحزب الوطنى» إلى الحياة، وثبت أن الحروق الشديدة التى أصابته يوم 28 يناير 2011 لم تسبب وفاته، وأمكن إعادته إلى الحياة بسبب تدخل طبى عاجل على أعلى مستوى.
هل هناك أى تفسير للأصوات التى حصل عليها المرشح أحمد شفيق فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وتقترب من نصف عدد المقترعين؟.
إذا سلمنا بأن الانتخابات الأخيرة جرت بنزاهة بدليل أنها أتت برئيس إخوانى، فعلى كل القوى التى شاركت فى إنجاز ثورة 25 يناير أن تفيق وتدرس بجدية مغزى حصول شفيق على حوالى نصف عدد الأصوات.
الذين صوتوا لشفيق فى المرحلة الأولى حوالى خمسة ونصف مليون صوت يمثلون أقل من ربع عدد المشاركين فى هذه الجولة، وفجأة قفزت هذه النسبة فى جولة الإعادة للنصف تقريبا.
نفس الأمر حدث مع المرشح الإخوانى محمد مرسى وإن كان يمكن تفسير ذلك أن كل الذين صوتوا لأبوالفتوح فى الجولة الأولى قد صوتوا له، وأن الجموع السلفية الكبيرة التى خذلت أبوالفتوح قد شاركت فى انتخاب مرسى، وأن قطاعات عديدة غير محسوبة على التيار الإسلامى عموما صوتت لمرسى لأنها لا تقبل بانتخاب أحد رموز نظام مبارك.
إذن السؤال هو: من الذين صوتوا لشفيق فى جولة الاعادة؟.
أكبر خطأ يرتكبه أنصار الثورة أن يصفوا كل أولئك الذين صوتوا لشفيق بأنهم فلول.
لو صح هذا الاتهام فوجب علينا أن نمنح الحزب الوطنى وساما لأنه تمكن فى أقل من 16 شهرا من حشد نصف الشعب للتصويت لمرشحه، فى حين أنه عجز منذ تأسيسه عام 1978 عن حشد جماهير حقيقية معتمدا على أساليب التزوير المتنوعة.
المؤكد أن كل أنصار الحزب الوطنى، وكل المتضررين من الثورة صوتوا لأحمد شفيق.. إذن السؤال بصيغة أخرى: هل الفئات السابقة صارت حوالى نصف الشعب؟!.
علينا أن نتذكر أن الشعب الذى شارك بكثافة فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، قد أبعد غالبية رموز الحزب الوطنى من دون قانون عزل. فهل اختلف الحال فجأة فى ستة شهور؟!.
هناك شبه اتفاق على أن ماكينة الحزب الوطنى عادت إلى العمل بمعظم وليس كل قوتها. وهناك تقديرات أن بعض رجال أعمال الحزب الوطنى قد دفعوا مبالغ طائلة فى عملية أقرب إلى المقامرة لمنع انتخاب مرشح الإخوان بكل السبل الممكنة.
ورغم ذلك يظل السؤال بلا إجابة حقيقية: هل تغير مزاج نصف الشعب المصرى تقريبا ليتحول إلى كاره للثورة؟!.
هناك اجتهاد يقول إن الممارسات الطفولية لبعض المحسوبين على الثورة ساهمت إلى حد كبير فى تشويه صورة هذه الثورة عند قطاع من المواطنين العاديين. ثم إن الإعلام الحكومى، وبعض الإعلام الخاص لعب دورا محوريا فى تشويه الثورة واستطاع أن يبث رسالة تحذير قوية تؤكد أن وصول الإخوان معناه أن مصر ستصير غدا مثل أفغانستان أو الصومال.
ليس كل الذين صوتوا لشفيق «فلول» وخونة وناكرى جميل، وأعرف العشرات من البسطاء، بل وبعض الأصدقاء الذين شاركوا فى الثورة بفاعلية صوتوا لشفيق لأنهم للأسف كفروا بالثورة أو بالأحرى بممارسات بعض المحسوبين عليها.
ما هو الهدف من كل الكلام السابق الذى صار ماضيا؟.
الهدف موجه للإخوان وللرئيس مرسى وهو يتخذ قراراته خصوصا التى يمكن أن تسبب التباسا أو انقساما أن يتذكر أن حوالى نصف الشعب لم ينتخبه وأن هذه النسبة مرشحة للارتفاع إذا لم تكن قراراته توافقية.
بقلم : عماد الدين حسين – الشروق






