بقلم: جدون راتشمان
تؤمن الحكومات حول العالم بالنمو الاقتصادى كعلاج سحرى فى مواجهة التهديدات السياسية الخطيرة، فعلى سبيل المثال عندما يحاول قادة العالم محاربة جذور الإرهاب يتجهون سريعاً للافتراض بأن الرخاء وتوفير الوظائف هو الحل على المدى البعيد.
وعندما يظهر تهديد ويبدو كأنه سيخرج عن السيطرة خاصة فى شرق آسيا والشرق الأوسط، تكون الاستجابة السياسية المعتادة هى المناداة للمزيد من التكامل الاقتصادي.
ولكن كما يخشى الأطباء من ظهور جراثيم لا تستجيب للأدوية الحالية، بدأ قادة العالم كذلك فى مشاهدة ظهور أشكال جديدة من الصراع السياسى مقاوم للوصفات التقليدية وهى المزيد من التجارة والاستثمار الذى يتبعه جرعة جيدة من الإصلاحات الهيكلية.
وهناك ثلاثة جراثيم سياسية تتسبب فى قلق خاص، الأولى هى انتشار الصراع فى الشرق الأوسط، والثانية هى الصراع المتزايد بين الصين واليابان، أما الثالثة فهى زيادة عدم المساواة فى العالم الغربى وما تحمله من تهديد بصدام اجتماعي.
ويرجع الاحتفاء برئيس إيران الجديد حسن روحانى هذا العام بشكل كبير إلى أنه بدا أكثر اهتماماً بالتجارة والاستثمار من الاسلحة النووية، ولم يغير روحانى موقف إيران من القضايا الكبرى مثل سوريا واسرائيل والاسلحة النووية، ولكنه أرسل رسالة قوية عندما افتتح خطابه فى دافوس بالتأكيد على طموحه فى ان تصبح إيران من بين أكبر 10 اقتصادات فى العالم، وعلى حاجة إيران لتحسين علاقاتها مع بقية العالم للوصول لهذا الهدف.
ومع ذلك، من غير المرجح أن ينهى نداء العقلانية الاقتصادية الحرب فى سوريا حيث يقاتل الطرفان من أجل البقاء، كما يبدو أن الجهاديين المنتعشين فى سوريا والعراق وغيرهما لن يرحلوا بسبب ثمار العولمة.
ومازال الكثيرون يأملون فى أن تحسن الأوضاع الاقتصادية فى الشرق الأوسط سوف يزيل اليأس الاقتصادى الذى من المفترض أن يزدهر فيه الاسلام المتشدد، ومع ذلك، لا يأتى كل الجهاديين من دول أو خلفيات فقيرة، فبعض الذين ظهروا فى سوريا أتوا من أوروبا، والبعض الآخر من السعودية ودول الخليج، فالجهادية مرض لا يُداوى بالأدوية الاقتصادية التقليدية.
وتعد زيادة التوترات بين الصين واليابان خير مثال على حقيقة أن المصلحة الاقتصادية ليست العلاج لكل المشكلات السياسية، فالصين الآن اكبر شريك تجارى لليابان وأكبر متلقى للاستثمارات اليابانية الأجنبية، وهو أمر يأمل الكثير من المحللين أن يقلل احتمالية نشوب صراع بين البلدين.
وعلاوة على ذلك، فإن صعود الصين يتسبب فى زيادة التوترات الدولية فى آسيا، فهذا الصعود غير ميزان القوى بين بكين وطوكيو، وبالنظر إلى التاريخ المرير بين الدولتين يتضح سبب اتجاه العلاقات نحو الاسوأ.
ويتمثل التهديد فى أوروبا وأمريكا الشمالية فى توترات سياسية واجتماعية داخل الدول وليس من منافسين دوليين، وهذا ما يقلق الطبقة الأرستقراطية الحاكمة، وهناك عنصر مركزى فى عقيدة دافوس وهو الإيمان بأن العولمة أمرا جيدا لكلً من العالم الغربى والقوى الناشئة.
ورغم ذلك، فقد أصبح من المعروف الآن أن دواء العولمة له أعراض جانبية غير سار، فحتى إذا رفعت العولمة مستويات النمو الكلية، فهى أيضا ساهمت بقوة فى ركود الأجور وزيادة عدم المساواة فى الغرب.
ونتيجة لذلك، يقلق الساسة الأوروبيون من احتمالية ظهور اليمين القومى واليسار الراديكالي، بينما يقلق الأمريكيون بشكل متزايد من الفجوة بين الأغنياء الذين تبلغ نسبتهم %1 وبقية الشعب، وأيضا من العواقب السياسية إذا استمر الخليج فى التوسع.
أما المصرفيون ورجال الأعمال محصنون بشدة من فيروس كراهية الأجانب والقومية، لأن شعارهم غير المعلن هو «أصنع أموالا ًوليس حربا»، ويعاملون الأجانب على أنهم عملاء محتملون وليسوا أعداء محتملين.
وفى هذا الإطار، فإن فكرة أن الراسمالية والعولمة أفضل ترياق للصراع السياسى شديدة الجاذبية مع كل عيوبها، ورغم فقدان العلاج الاقتصادى القديم للصراع السياسى لبعض قوته، فلا يزال هو أفضل ما لدينا.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز








