بقلم: نايجل ويلسون
يكون لمعظم التدخلات الطبية التجريبية آثار جانبية، وهذا أيضا ينطبق فى علم الاقتصاد، فمنذ خمس سنوات أعطى صناع السياسة النقدية فى العالم المتقدم للاقتصاد جرعة كبيرة من الأموال الجديدة والرخيصة، واليابان الآن تجرب هذا الدواء بموجب ما يعرف بـ “الآبينوميكس”.
ورغم ان برامج التيسير الكمى لم تختبر سريريا ولم يوافق عليها علميا، إلا انها ساعدت فى نجاة الاقتصادات المريضة من موت قريب، وجنبته ركود عالمى مطول.
وفى الواقع، لا يزال المرض الاقتصادى بعيد كل البعد عن الشفاء، فإذا كانت المديونية المفرطة سببا محفزا للازمة المالية، فإن المحفزات النقدية لا يمكنها تلطيف الأسباب الجذرية بنفسها.
كما أن السياسات النقدية المتراخية بشدة تخلق اختلالات جديدة بدورها، كما تخلق فائزين وخاسرين جدداً، فهى تحول النظر بعيدا عن الاصلاحات المطلوبة بشدة إلى الأسواق والمؤسسات الاقتصادية الأخرى، كما أنها لا تنجح فى حل المشكلات فى قطاعات أخرى، وعلاوة على ذلك، فإنها تخلف إدمان خطير لأسعار الفائدة المنخفضة التى تعتبر بمثابة «ميثادون نقدي».
ومن السهل تحديد الفائزين والخاسرين من التيسير الكمي، فبالنسبة للأثرياء – الذين يقتاتون على الأصول وليس الأجور – كان هذا الركود رائعا، فالأموال الرقمية التى طبعتها البنوك المركزية أخذت تلف العالم فى الوقت الذى بحث فيه المستثمرون عن أصول عالية العائد مما دفع أسواق السندات والأسهم للارتفاع، كما صعدت أسعار العقارات الأوروبية بمعدلات مزدوجة الرقم.
وعلى النقيض، فشل أصحاب الأجور فى مجاراة التضخم، واتسعت فجوة عدم المساواة، وأضرت الفائدة المنخفضة لمدة 5 سنوات بالمدخرين بما فى ذلك المتقاعدون الذين وضعوا جل ما يملكون فى الأصول منخفضة الخطورة التى تعد عائداتها حالية شديدة الانخفاض، كما كان تضخم الأصول صعبا بشكل خاص على الشباب والفقراء الذين راقبوا أسعار المنازل ترتفع بعيدا عن متناول أيديهم.
وتبدو سياسة التيسير الكمى كسياسة مصنوعة من قبل الأغنياء للأغنياء ومن قبل الساسة للساسة، وعادة تتمتع الحكومات التى تقدم أموالا سهلة مستقرة بشعبية أعلى، أما فى منطقة اليورو حيث رفضت البنوك المركزية حتى الآن مثل هذا التدخل، لم يكن أداء الساسة جيدا، كما أن التقشف المالى والعملة عالية القيمة ساهما فى الأداء الاقتصادى البغيض الذى أضر بحكومة تلو الآخرى.
وفى نفس الوقت، غض صناع السياسة الطرف عن جانب العرض سواء عرض رؤوس الاموال الاستثمارية أو الأصول التى سيتم الاستثمار فيها، وقد كنا لنعود إلى مسار النمو أسرع إذا قمنا بالمزيد من الاستثمارات، فبعد 5 سنوات، مازال الاستثمار فى بريطانيا أقل بنسبة %20 عن أعلى مستوياته قبل الأزمة، ومازال التخطيط متصلب والسياسة غير أكيدة.
ولا تزال أوروبا معتمدة بشدة على البنوك الكبيرة الضعيفة رأسماليا، على عكس الولايات المتحدة ذات الأسواق الرأسمالية العميقة والقادرة على المضى قدما بتقنيات تحرير احتياطيات الطاقة المحبوسة بدلا من الشجار على سياسة الطاقة والطرق.
وقد يتوقع الفرد زيادة الاستثمار فى ظل انخفاض أسعار الفائدة لمستويات تاريخية وكميات الأموال الهائلة التى يتم ضخها، ولكن ذلك لم يحدث، فالأموال السهلة خلقت سيولة رخيصة وليس رأسمالاً منتجاً، ومعظم هذه السيولة محبوس فى الشركات وميزانيات البنوك، وبعض هذه الأموال يتم تداوله وسريع الحركة وقصير الأجل، وأدى فى الواقع إلى زيادة عدم الاستقرار الاقتصادي.
وهذه الأعراض ذات أهمية، فإذا لم نعالجها، لن يكون التعافى الاقتصادى صحياً ومتوازناً، فارتفاع أسعار الأصول يزيد من ثراء الأغنياء وذلك له تأثير غير مباشر وصامت على الناتج الاقتصادي.
وصحيحا أن بعض المكاسب سوف يتم إنفاقها وبالتالى سيرتفع الاستهلاك، إلا أن الاستثمار فى الحضيض، ولم يكن هناك ارتفاع فى الصادرات رغم تراجع العملات، كما لم يفلح الارتفاع الشديد فى أسعار الواردات فى مساعدة المنتجين المحليين كما هو متوقع.
ومن السهل انتقاد سياسة الأموال فائقة السهولة ولكن من الأصعب بكثير ان تقول ما الذى ينبغى أن يحل محلها، وإذا سألنا إذا ما كان تنفيذ هذه السياسة ضروريا منذ خمس سنوات؟ سنجد ان الإجابة نعم، فرغم ان هذه السياسة غير كاملة، فلم تكن هناك أفكار أفضل.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشال تايمز








