بقلم :عماد الدين حسين -الشروق
المواطن البسيط لا يشغله السؤال الجدلى: هل هناك مشروع نهضة حقيقى أم مضروب، لا يشغله أيضا تقييم أداء الرئيس محمد مرسى فى المائة يوم الأولى وهل أجاد أم أخفق، لا يشغله أيضا هل دخول مرسى استاد القاهرة بالسيارة المكشوفة، جدعنة أم «حركة أمريكانى».
الذى يشغل هذا المواطن البسيط ــ الذى يشكل النسبة الأكبر من الشعب ــ هو حياته ومعيشته وهل مقبولة أم لا تطاق.
فى اللحظة التى كان محمد مرسى يستعرض إنجازاته فى استاد القاهرة مساء السبت الماضى كنت موجودا فى قرية بأسيوط لأداء واجب عزاء.
فى هذا اليوم التقيت شرائح مختلفة أقرب إلى العينة العشوائية من مواطنين ينتمون لقرى كثيرة جاءوا للتعزية.
الموضوع الذى يحتل المرتبة الأساسية لدى هؤلاء المواطنين هو أنبوبة البوتاجاز. أعرف مدى أهمية هذا الموضوع، لكنى أعترف أننى لم أكن أعرف أنه يحتل هذه المكانة.
مواطن يعمل فى محافظة سوهاج قال لى إن سعر الأنبوبة تجاوز فى بعض المرات حاجز المائة جنيه، ومواطن آخر مقيم فى الأقصر قال إنه خمسة وسبعون جنيها، والغالبية تتفق على أن متوسط السعر صار يدور حول رقم خمسين جنيها، لكن لا يقل عن خمسة وعشرين جنيها فى أى حال من الأحوال.
هناك قلة بالطبع تحصل على الأنابيب بسهولة بفعل القرابة لصاحب المستودع أو لأن لديها «واسطة جامدة» وبسعر خمسة جنيهات، علما بأن السعر الرسمى هو ثلاث جنيها ونصف.
لن ندخل فى جدل عقيم حول سبب مشكلة أنابيب البوتاجاز أو أزمة السولار والبنزين.
هناك مواطنون يبحثون لأيام عن «تفويل» سياراتهم الملاكى، والأخطر أن أصحاب وسائقى السيارات الأجرة، خصوصا «الربع نقل»، يتوقفون عن العمل أياما لغياب الوقود.
هؤلاء المواطنون يحكمون على أداء حكومة هشام قنديل أو إدارة الرئيس محمد مرسى انطلاقا من مثل هذه القضايا وليس من أى منظور آخر.
مواطن من مركز القوصية قال لى: تخيل من حوالى عام ونصف أعلنت الحكومة مشكورة عن مشروع لتوصيل المياه النقية إلى بعض قرى المركز، حفرت الطريق الرئيسى بين البندر وقرية التمساحية وظل الطريق «مشلفطا» لحوالى عام وقبل أسابيع وضعت «الزلط» عليه دون أن «تسفلته»، والنتيجة أن مواطنى أكثر من قرية يتعرضون لحفلة عذاب يومية، ولا يملكون إلا السب واللعن للحكومة والدعاء عليها، ومعظمهم يتساءل :هل تجرؤ أى حكومة أو إدارة محلية على أن تترك طريقا رئيسيا فى القاهرة أو المدن الكبرى بالمحافظات بمثل هذه الحالة والأهم من دون سبب مقنع؟!.
أمثال هؤلاء المواطنين يقفون بالساعات فى طابور الخبر «أبو خمس قروش» وعندما يسعدهم الحظ ويحصلون على مبتغاهم يفاجأون كل يوم بأن الرغيف حرام أن تأكله حتى الحيوانات!!.
وإذا أضفت تجارة السلاح المزدهرة فى هذه الأماكن التى تنتشر فيها عادة الثأر ثم عدم عودة الأمن بالشكل الذى ينتظره الناس، سوف تعرف أن كثيرين فى هذه الأماكن يعيشون المأساة الكاملة.
فى كل مرة أذهب فيها إلى الصعيد يزداد يقينى أن التحدى الرئيسى الذى يواجه محمد مرسى وحزب الحرية والعدالة والتيار الإسلامى بصفة رئيسية ليست كتابة الدستور، وليست القوى المدنية الليبرالية، ولا الفضائيات وبرامج «التوك شو» الليلية، لكنها قضية العدالة الاجتماعية، واستمرار منظومة الفساد السابقة بكل تفاصيلها مع فارق بسيط أن بعض من يزعمون أنهم أعضاء فى «الحرية والعدالة» بدأوا يسيطرون على مستودعات البوتاجاز وبعض الخدمات الحياتية.
الفقر فى الريف عموما والصعيد خصوصا هو العدو الأول للإخوان الآن وفى الانتخابات المقبلة، غياب أنبوبة البوتاجاز هو الذى سينسف مشروع النهضة إذا كان هناك مشروع أصلا.








