بقلم: رولا خلف
بدا محمود أحمدى نجاد، الرئيس الإيرانى، فى أحسن حالاته الأسبوع الماضى أثناء زيارته السنوية إلى الأمم المتحدة، ذلك المشهد الذى أمتع وسائل الإعلام وحير الرأى العام الأمريكى، ومن ضمن الكلام العابث الذى قاله أثناء رحلته إلى نيويورك حديثه عن الاحصائيات التى اخترعها ليثبت نجاح الاقتصاد الإيرانى خلال فترة ولايته التى استمرت سبعة أعوام وقال لأحد الصحفيين: «إن إيران تحتل ـ حالياً ـ المرتبة السابعة عشر فى قائمة أكبر اقتصادات العالم بعد ان كانت فى المرتبة الثانية والعشرين».
وما ان مرت بضعة أيام بعد عودته إلى طهران، اذ بواقع مرير يخترق عالمه الخيالي، حيث وجد نفسه يواجه أزمة شرسة للعملة اثر التدهور الحاد للعملة الإيرانية التى فقدت نحو نصف قيمتها على مدار العام الماضي.
شرع الإيرانيون الذين شهدوا ارتفاعاً حاداً فى نسبة التضخم خلال الأشهر الأخيرة فى التخلص من الريال الإيراني، ورغم أن الكثيرين من الإيرانيين يعتبرون أمريكا العدو الأول لجمهورية إيران الإسلامية الا ان الدولار أصبح الصديق الأول لهم.
شاهد صانعو السياسة الذين عقدوا العزم على وضع حد لطموحات إيران النووية، الاحتجاجات التى اشتعلت فى العاصمة الإيرانية بارتياح شديد، حيث انها دليل واضح على ان الحرب الاقتصادية أتت ثمارها وكانت ومازالت العقوبات الأمريكية والأوروبية قاسية بعد ان عزلت إيران عن النظام المالى العالمى وحدت من قدرتها على تصدير سلعتها الرئيسية «البترول».
الا ان بهجة الانتصار سابقة لأوانها، ومن الحكمة ان تنظر الدول الغربية التى تتوق إلى مزيد من التدهور السريع فى الاقتصاد الإيراني، فيما اذا كان فرض مزيد من العقوبات بما فى ذلك القيود الواقعة على صادرات إيران من البترول سيكون منطقياً أم لا، خاصة ان النظام الإيرانى من غير المرجح لهذه الضغوط الاقتصادية المشددة فى تغذية الروح الانتقامية ضد الغرب.
وقد تكون إيران تمر بمرحلة من التضخم الجامح كما يقول ستيف هانك، أستاذ الاقتصاد بجامعة جون هوبكنز، الذى قدر ارتفاعها بنسبة 70% شهرياً ولكنه أشار أيضاً إلى ان النظام قادر على البقاء على قيد الحياة بينما يعانى الشعب بشدة، حيث يتوقع ان يستخدم ساسة طهران بمهارة أسلوب العصاة لاحتواء أزمة العملة، وبالفعل أعلنت الحكومة الخميس الماضى القبض على اثنى عشر تاجرا للعملة الأجنبية.
والجدير بالذكر ان قدرة إيران على معالجة الأزمة تعتمد بالتأكيد على حالة مواردها المالية، التى مازالت أمراً مبهماً للجميع، فضلاً عن ان الوضع السياسى اكثر غموضاً ويعتقد بعض الإيرانيين ان عدم رغبة البنك المركزى فى دعم الريال يرتبط بالخلاف القائم بين الرئيس والعناصر المتطرفة فى النظام الإيراني.
لم يعد يخفى على أحد فى طهران أن على خامينى، المرشد الأعلى، فقد الثقة فى أحمدى نجاد منذ فترة طويلة حتى لو كان اصر على فوزه فى الانتخابات عام 2009، والفائدة الوحيدة لخامينى من الخريطة السياسية الإيرانية الحالية هى إمكانية استخدام الرئيس ككبش فداء، وفى الواقع هناك العديد من التكهنات فى طهران وآمال كبيرة تسود معسكر مناهضى أحمدى نجاد بأن يفقد منصبه نتيجة إدارته غير الكفء للاقتصاد.
ولكن على المدى البعيد، التخلص من رئيس عنيد لن يحل مشاكل خامينى، حتى مع انتهاج سياسات اقتصادية غير تقليدية، والاتجاه نحو اتحاد سياسى أقوى، فان الاقتصاد الإيرانى القائم على البترول محكوم عليه بالاعدام، فقد وصلت صادراته بالفعل إلى أدنى مستوى منذ عشرين عاماً.
ومن غير المرجح أن يتحول المرشد الأعلى فجأة عن أولوياته أو يتوقف عن تحديه للمطالب الدولية بوضع حد لبرنامجه النووى، ولكن كما يقول راي تاكيه، مسئول سابق بالولايات التحدة وخبير بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكى، أكدت العقوبات ـ على الأقل ـ ان التحدى النووى له ثمن باهظ.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز








