يتوقع الخبراء أن تزداد المياه النظيفة القابلة للشرب ندرة خلال ربع القرن المقبل، مع زيادة عدد سكان كوكب الأرض والتحولات في الشواطئ وأنماط الطقس التي سيحدثها التغير المناخي، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت تلك السلعة الأهم على الإطلاق ستصبح موردا يتم مقايضته وتداوله في بورصات العقود الآجلة، شأنها شأن الذهب والذرة والنفط؟
دين دراي، وهو محلل في سيتي جروب ويرأس قسم الأبحاث العالمية في قطاع المياه، وعدد آخر من الخبراء –حسبما نقلت سي ان بي سي- يقولون إن تداول المياه سيكون أمرا صعبا، لأن المياه تظل قضية محلية في كل أنحاء العالم.
أما روبرت فرانسيس كينيدي رئيس مؤسسة “ووتركيبر آلايانس” التي تروج لحماية تجمعات المياه عالميا، فيقول إن المياه ملك لشعب كل دولة، حيث “لا يمكنك أن تضع أنبوبا في مجرى مياه لتبيعه في مكان آخر”.
والتاريخ زاخر بالأمثلة على اندلاع الحروب أو المآسي البيئية بسبب تحويل مجاري المياه، فالاتحاد السوفيتي السابق قام بتحويل الأنهار من أجل ري المحاصيل في ستينيات القرن الماضي، لكنه تسبب في جفاف بحر أرال في أسيا الوسطى، حيث تقبع مراكب الصيد الآن على أرض جافة.
ويقول كينيدي إن “أي شحن للمياه من أحد مجاريها بغرض بيعها كسلعة سيحدث اضطرابا بيئيا بالغا، علاوة على اضطراب في الديمقراطية وثقة الشعب، فقد رأينا بالفعل حروب مياه تندلع في مختلف أنحاء العالم بسبب محاولة شركات وحكومات القيام بذلك”.
الشرق الأوسط، على سبيل المثال، شهد الكثير من الصراعات حول المياه، بما في ذلك سوريا، ولطالما كان نهر الفرات مصدر صراع بين تركيا وسوريا، والشهر الماضي أغلقت مجرى النهر، ما أثر على تدفق المياه إلى سوريا والعراق.
وأخيرا يكشف كينيدي أن “المياه أصبحت صناعة تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات الآن، بحسب البنك الدولي”.
حرية التداول
من جهته، يقول البروفيسور جون رايلي من مركز أبحاث السياسة البيئية التابع لكلية سلون للإدارة في جامعة إم آي تي إن “خبراء الاقتصاد تروق لهم فكرة تداول (السلع) بحرية” لأنها حيث تعزز الكفاءة الاقتصادية.
ويؤكد رايلي أن التداول واسع النطاق لكميات هائلة من المياه سيكون أمرا صعبا، بسبب الكلفة العالية لنقلها، مشيرا إلى أن حل مشكلة نقص المياه ربما يكمن في نقل الأنشطة التي تحتاج إليها، مثل إنتاج المحاصيل والتصنيع، من المناطق الجافة إلى تجمعات المياه.
لكن ريتشارد ساندور رئيس مجلس إدارة شركة المنتجات المالية البيئية يؤكد إمكانية التغلب على تلك العقبات، ويتوقع أن يرى تداول المياه عبر أدوات مالية حقيقة واقعة في غضون 5 إلى 10 سنوات.
ويرى ساندور أن المشكلة الأهم هي كيفية تسعير تلك الأدوات المالية، ويقول “التسليم في العقود الآجلة مسألة صغيرة جدا، فهذه الأدوات تهدف بالأساس إلى الحفاظ على عدالة التسعير، وليس تغيير الملكية، لكن التسليم وتهديد التسليم هو ما يبقي على صدق وعدالة السعر”.
ساندور يلخص الحل في ابتكار آلية ما “تضع في الاعتبار الاختلافات الجغرافية المتنوعة”.
الطلب على المياه
من ناحية أخرى، توقع تقرير للأمم المتحدة أن يسجل الطلب على المياه زيادة كبيرة، لاسيما في الدول الناشئة، حيث قد يرتفع استهلاك المياه المخصصة للزراعة بنحو 20 بالمئة عالميا بحلول 2050.
أما الطلب على المياه لأغراض توليد الطاقة فقد يرتفع بنحو الثلث في الفترة بين 2010 و2035، بحسب التقرير الأممي.
وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تزداد الضغوط على المياه العذبة مع زيادة عدد السكان بواقع 2.3 مليار نسمة في مناطق تعاني ندرة مائية شديدة مثل شمال وجنوب أفريقيا وجنوب ووسط أسيا بحلول 2050.
كما يشير التقرير الأممي إلى أن التغير المناخي يؤثر على المياه السطحية، ويكشف أن المناطق الجافة ستزداد جفافا، كما يسوق أدلة على أن إمدادات المياه الجوفية تتضاءل، حيث تعرضت 20 بالمئة من مستودعات المياه الجوفية للاستخدام المفرط.
ويعود دراي ليؤكد “نقل المياه مكلف، بل أن ضخ المياه أكثر كلفة من ضخ النفط”.
التسعير المحلي
تقيّم كل دولة المياه على نحو مختلف، فهي مجانية في إيرلندا، حيث يعتبرون ذلك حقا مكتسبا.
على النقيض، يدفع المستهلكون الدنماركيون أعلى سعر في العالم مقابل المياه- يقدر في المتوسط بـ3.88 دولار للمتر المكعب الواحد، بينما يبلغ هذا المتوسط في الولايات المتحدة 1.48 دولار، ويصل في ألمانيا إلى 3.08 دولار.
لكن ساندور يشير إلى أن تلك هي أسعار المياه والبنية الأساسية مجتمعين، وليس سعر المياه وحدها.
أما دراي فيقول “الطلب على المياه سيزيد بمعدل أسرع من المعروض منها، ولذا فإن بعض الأفكار المسبقة عن الحق في مجانية المياه قد تتغير”.
أنظمة التداول
يقول مارك فولتون، مؤسس شركة استشاري نقل الطاقة، إن تطور الأسواق وتغير المناخ يمكن أن يخلق أنظمة جديدة لتداول المياه والحقوق البيئية الأخرى.
ويشير فولتون إلى أن هناك بالفعل تداولا لحقوق المياه في استراليا، وبشكل أقل، في غرب الولايات المتحدة.
ويقول “هناك الكثير من أنظمة تداول المياه…لكن هل ستنتقل إلى البورصات؟”.
أما سانتور فيؤكد قائلا “أؤمن بشدة أن المياه ستكون سلعة القرن الحادي والعشرين”.








