بقلم: كريستوفر هيل
فى منطقة تبدو فيها الأزمات أمراً طبيعياً، تشير الدورة الأخيرة من العنف فى الشرق الأوسط إلى أن شيئاً أكبر يجرى على قدم وساق هناك، وهى بداية تفكك الدولة القومية العربية، ما يعكس تفتت الدول العربية السنية الآخذ فى الازدياد.
ولقد أصبحت الدول فى الشرق الأوسط أضعف من أى وقت مضى، إذ تبدو السلطات التقليدية، سواء كانت الممالك الشائخة أو المستبدون العلمانيون، غير قادرة على نحو متزايد على رعاية شعوبها، وبينما تضعف سلطة الدولة، تزداد قوة الولاءات الطائفية والقبلية.
وما الذى يعنيه اليوم أن تكون عراقياً، سورياً، يمنياً، أو لبنانياً؟ ويبدو أن أى تعريف ذي مغذى يتطلب اسماً مركباً، فعلى سبيل المثال، عراقى سنى أو سورى شيعى وهكذا دواليك، وكما تشير هذه الأمثلة، إلى أن الهوية السياسية قد تحولت إلى شيء أقل تمديناً وأكثر بدائية.
ومع اشتعال النيران فى العراق، يرى كثيرون أن غزو العراق واحتلاله بقيادة الولايات المتحدة مسئول مسئولية كبيرة عن تقديم مفهوم طائفى للهوية فى البلاد، وفى الواقع إن الطائفية كانت دائما على قيد الحياة فى العراق، ولكنها أصبحت الآن القوة الدافعة والمبدأ المنظم للسياسة فى البلاد.
وعندما تحكم الأقلية الطائفية أو العرقية البلاد – على سبيل المثال، السنة فى العراق- يكون لديهم مصلحة قوية فى تحجيم النزعة العرقية أو الطائفية، وعادة ما يصبحون الأنصار الرئيسيين لمفهوم مدنى أوسع نطاقاً للانتماء القومى، يحتضن نظريا كل الشعوب.
وفى العراق، كان هذا المفهوم هو البعثية، وبينما كان هذا المفهوم أكثر ارتباطاً بالأقلية السنية عن الأغلبية الشيعية، فقد استمر لعقود كوسيلة لتحقيق الوحدة الوطنية، وإن كانت وحدة تتسم بالقسوة والريبة.
وعندما دمر الاحتلال الأمريكى حزب البعث ــ جنبا إلى جنب أيديولوجيته المدنية ــ لم يحل محله أى مفهوم مدنى جديد، وفى الفراغ السياسى الذى نتج عن ذلك، كانت الطائفية البديل التنظيمى الوحيد القابل للتطبيق.
ولذا جاءت الطائفية لتشكل السياسة العراقية، لتجعل من المستحيل تنظيم أحزاب غير طائفية تقوم، على سبيل المثال، على المصالح الاقتصادية الاجتماعية المشتركة.
وربما يكون توجيه أصابع الإتهام إلى الولايات المتحدة للحالة التى وصلت اليها الأمور فى العراق فى محله، ومن الممكن أن نقول الشيء ذاته على ليبيا «على الرغم من أن التدخل هناك لم يكن بقيادة الولايات المتحدة»، ولكن الولايات المتحدة لم تغُز أى دولة أخرى فى الشرق الأوسط مثل لبنان وسوريا واليمن، حيث أصبحت قدرة هذه الدول على البقاء محل شك.
وهناك أسباب عديدة وراء ضعف الدول العربية، وأكثر هذه الأسباب قرباً هو إرث الربيع العربى، ففى بداية ثورات الربيع العربى فى عام 2011، نزلت الجماهير العربية إلى الشوارع تسعى إلى الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية أو الملكية التى رأى كثيرون أنها فقدت طاقتها واتجاهها، ولكن هذه المظاهرات الأولية، التى افتقرت غالباً إلى قادة معروفين أو برامج معلومة، سرعان ما استسلمت للعادات القديمة.
وبالتالى، فبالرغم من كل الوعود الأولية التى حملها الانتقال السياسى فى مصر الذى أعقب زوال نظام حسنى مبارك، كانت النتيجة قيام حكومة الإخوان المسلمين التى جعلتها أيديولوجيتها الإقصائية مرشحا من غير المرجح نجاحه على المدى الطويل، ومنذ بداية حكم الإخوان المسلمين، رأى معظم المراقبين أن أيامهم معدودة.
وعندما أطاح الجيش بالإخوان المسلمين من السلطة بعد عام واحد، بارك هذه الخطوة العديد من المصريين، وحافظت مصر على الحس الأقوى للدولة القومية فى المنطقة؛ ورغم ذلك أصبح المجتمع محطماً ومقسماً، وسوف يستغرق سنوات عديدة ليتعافى.
وهناك دول أخرى اقل حظا، ففى ليبيا، فتح نظام معمر القذافى الفاسد المجال للقبلية البدوية التى يصعب خلطها فى دولة قومية عاملة. وابتلى اليمن أيضا بالخصومات القبلية والانقسام الطائفى الذى فرض تحديات كبيرة على الدولة، وفى سوريا، لم يعد من المرجح على الإطلاق أن يعاد بناء ذلك المزيج الهش من السنة والعلويين والأكراد والمسيحيين وغير ذلك من الطوائف فى هيئة دولة كما كان ذات يوم.
وتتطلب هذه العمليات نهجاً سياسياً أوسع نطاقاً وأكثر شمولاً من قبل الدول الغربية، ويجب أن يأخذ هذا النهج العوامل المشتركة فى المنطقة بعين الاعتبار وعدم التظاهر بأن التغييرات التى تضعف هذه الدول ليست مرتبطة ببعضها البعض.
ويتعين على الولايات المتحدة، بشكل خاص، أن تدرس كيف تعاملت مع انهيار سوريا والعراق، وأن تكف عن التعامل مع كل حالة منهما وكأن ليس لها علاقة بالأخرى، فقد دعت أمريكا إلى تغيير النظام فى الأولى فى حين سعت إلى استقرار النظام فى الثانية؛ وبدلاً من ذلك حصلت فى النهاية على تنظيم الدولة الإسلامية فى كليهما.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: بروجيكت سينديكيت








