130 مليار دولار خصصتها السعودية فى 2011 لخلق فرص العمل وزيادة الدخل
زيادة الإنفاق لتجنب ثورات الربيع العربى فشلت فى تشغيل الشباب
عندما أشعل محمد بوعزيزى النيران فى نفسه فى مدينة سيدى بوزيد التونسية عام 2010، لم يكن احتجاجه ضد عدم وجود حرية سياسية، بل كان يأسه نابعاً من الفقر ونقص الفرص.
ومنذ ذلك اليوم، هزت مطالب التغيير العالم العربي- وتم الإطاحة بالديكتاتوريين الذين استمروا فى الحكم فترات طويلة وانتشرت الاضطرابات السياسية التى أدت إلى الحرب الأهلية فى سوريا والفوضى فى ليبيا، ومع الظهور السريع لداعش فى الأشهر الأخيرة، انتشر العنف فى أنحاء العراق ومازال يهدد باكتساح المزيد من البلدان.
ورغم الاضطرابات، مازالت الديناميكيات الأساسية فى الاقتصادات العربية كما هى قبل عام 2011، وانقسمت المنطقة بين من “يملكون” – وهى الدول الغنية المصدرة للبترول التى تقع غالبيتها فى الخليج – و”من لا يملكون” – وهم الدول الأكثر فقراً غير المصدرة للبترول، وتعد جميع هذه الدول فى انتظار الاصلاحات الهيكلية التى تم التعهد بها منذ فترة طويلة، كما أن لديها عدد ضخم من الشباب، الذى يعانى نسبة كبيرة منه إما من البطالة أو العمل فى وظائف دون مهاراتهم، الأمر الذى ترك العديد منهم ناقمين على افتقارهم إلى الفرص، وبالطبع لم تغير تلك الاضطرابات من الأمر شيئا وظل الاقتصاديون يحذرون من أن خطر عدم الاستقرار سوف يستمر.
وأوضحت صحيفة الفاينانشيال تايمز فى تقرير لها أن اقتصادات الدول العربية الأكثر ثراءً، ولاسيما دول مجلس التعاون الخليجى وهى البحرين والكويت وعمان والسعودية وقطر والامارات العربية المتحدة، لم يتغير معدل نموها على مدار الثلاث سنوات الماضية – إن لم يكن بوتيرة أقل مما كان ينبغى فى أوقات أكثر استقراراً.
وقد أغدقت حكومات دول الخليج شعوبها، منذ عام 2011، بدعم أسعار الطاقة والمنازل وتعهدوا بحزم رعاية اجتماعية أكثر سخاءً فى محاولة منها لوقف الاضطرابات الشعبية.
وامتدت هذه النوبة من الإسراف فى الإنفاق إلى جماعات المعارضة فى سوريا، أما بالنسبة للكويت والسعودية والامارات، فقد امتدت إلى الدول التى تستورد منها البترول وأبرزها مصر التى انهار اقتصادها منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق حسنى مبارك عام 2011، ورغم هذا الإنفاق الهائل، فقد كان النمو خارج الدول الغنية بالبترول راكدا.
ورغم برنامج الانفاق الذى بلغت قيمته 130 مليار دولار والتى كشفت الرياض عنه النقاب فى أعقاب انتفاضات الشعوب العربية عام 2011، فقد كانت %41 من فرص العمل التى وفرتها السعودية فى القطاع الحكومى المتضخم بالفعل بالعمالة، وتبلغ معدلات البطالة فى المملكة %11.7 ولكن يقدر خبراء الاقتصاد أن %40 من السكان لا يعملون، وحذر صندوق النقد الدولى الرياض من أن موازنتها قد تعانى من العجز العام المقبل.
ويحذر المحللون أن دول مجلس التعاون الخليجى عرضة لانخفاض أسعار البترول وأن حكوماتها فى حاجة ماسة إلى كبح جماح المستويات المرتفعة من الانفاق، كما أنها فى حاجة إلى تحقيق نمو مستدام لامتصاص الداخلين الجدد إلى سوق العمل.
ويقول رئيس قسم اقتصادات الشرق الأوسط لدى “سيتى بنك”، فاروق سوسه، “إن أكبر خطر تتعرض له دول مجلس التعاون الخليجى هو انخفاض أسعار البترول” مشيرا إلى أن أسعار البترول الخام آخذة فى التراجع منذ يونيو الماضي، لذا فإن هذه الدول فى حاجة ماسة إلى الحد من اعتمادها على البترول.
وأضاف سوسه أنه ينبغى على دول مجلس التعاون الخليجى اتخاذ “قرارات قاسية” بشأن خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات.
وهناك بعض العلامات على أن هذه الإصلاحات فى طريقها إلى دخول حيز التنفيذ، فعلى سبيل المثال، تعيد الكويت النظر فى نظام الدعم الخاص بها، وهناك جدال واسع داخل دول مجلس التعاون الخليجى حول فرض ضريبة القيمة المضافة، ولكن العواصم الخليجية تدرك جيدا المخاطر السياسية التى قد تنجم عن تلك الاصلاحات الاقتصادية.
وأعاق عدم الاستقرار السياسى النمو الاقتصادى فى الدول المنتجة للبترول خارج دول الخليج، حيث تراجع الناتج المحلى الاجمالى فى ليبيا بنحو %9.4 فى عام 2013.
ويقدر الاقتصاديون أن الناتج المحلى الإجمالى فى لبنان انخفض من 8 – %9 قبل اندلاع الاضطرابات السياسية فى المنطقة إلى نحو %1.
وأطاحت أيضاً تلك الاضطرابات بالاقتصاد المصري، إذ تضخم عجز الموازنة ووصل إلى %12 من الناتج المحلى الإجمالى، ورغم الاصلاحات الاقتصادية التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى بما فى ذلك خفض دعم الوقود الذى طال انتظاره الذى من المتوقع أن يخفض عجز الموازنة بنسبة %2.
ولكن حتى الرئيس يدرك أن التغير سوف يستغرق وقتاً، ويحذر الاقتصاديون القيام بإصلاحات أعمق إذا أرادت الدولة أن تجعل نموها مستداماً.
ويقول محلل سياسى لدى “نومورا”، اليستر نيوتين، لايزال أكبر تحد يواجه الاقتصادات العربية هو توفير فرص عمل كافية لامتصاص الأعداد المتزايدة من الشباب القادمين إلى سوق العمل.








