هبوط أسعار الصرف يحد من فوائد تراجع البترول للدول المستهلكة
يمثل الهبوط التاريخى فى أسعار البترول الذى فقد %43 من قيمته منذ يونيو الماضى، حيث سجل فى آخر أيام تداول الأسبوع الماضى 58 دولاراً للبرميل نظرياً فرصة جيدة للدول الناشئة لخفض تكلفة شراء الخام وزيادة مخزونها منه لانها جميعا دول كثيفة الاستهلاك للطاقة بفضل معدلات النمو المرتفعة نسبيا لديها فى السنوات الأخيرة وفى مقدمتها الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، أما روسيا فهى من الدول المصدرة الكبرى.
لكن الحقيقة على أرض الواقع كانت مختلفة تماماً، ففى الوقت الذى تنهار فيه أسعار البترول انهارت معه أسعار عملات الأسواق الناشئة أمام الدولار وهو ما حدا بالمستثمرين إلى تخفيف مراكزهم منها لصالح الدولار الذى يبدو أكثر قوة من ذى قبل أمام جميع العملات الدولية بلا استثناء تقريباً.
وهبطت قيمة عملات الأسواق الناشئة إلى أدنى مستوياتها خلال سنوات فى أربعة عشر عاماً مقابل الدولار الأسبوع الماضى، وذلك نتيجة ازدياد شهية المستثمرين تجاه العملة الأمريكية وانخفاض أسعار البترول إلى أدنى مستوياتها فى خمس سنوات.
وتراجع مؤشر جى بى مورجان لعملات الدول الناشئة- الذى يقيس قوة أسعار صرف مجموعة من الدول النامية مقابل الدولار- إلى أدنى مستوياته منذ إنشائه عام 2000، حيث هبط %5 خلال الاشهر الأربعة الماضية.
وأوضحت صحيفة الفاينانشيال تايمز فى تقرير لها أن قوة الدولار وضعت مزيداً من الضغوط على أسعار خام برنت، التى انخفضت الجمعة الماضية إلى 58 دولاراً للبرميل، وهو ما يزيد من ويلات شركات الطاقة والدول المنتجة للبترول.
وتضررت أيضاً الأسواق الناشئة من ارتفاع الدولار وانخفاض الصادرات جراء تباطؤ النمو فى الصين، وتراجع أسعار السلع الأساسية التى ألحقت الضرر بمصدرى الموارد الطبيعية مثل روسيا ونيجيريا.
وتناضل روسيا بالفعل لمواجهة العقوبات الغربية حيال تدخلها فى أوكرانيا، كما تعانى البلاد مؤخرا أسوأ هبوط لقيمة الروبل منذ الأزمة المالية عام 1998، وتراجع النايرا النيجيرى إلى مستوى قياسى مسجلا 187 مقابل الدولار الأمريكى أوائل الشهر الجاري.
ولم تسلم أيضاً الدول الكبرى المستهلكة للبترول التى من المفترض أن تستفيد من انخفاض أسعار البترول الخام، مثل تركيا وجنوب أفريقيا، من ارتفاع قيمة الدولار.
وقال رئيس قسم الدخل الثابت فى شركة «بارينجز لإدارة الأصول»، آلان وايلد، ما تتعرض له عملات الأسواق الناشئة حالياً يعود إلى حد كبير لعوامل خارجية أكثر منها عوامل داخلية.
ويمكن أن يكون هبوط قيمة العملة نعمةً لبعض الدول، إذ إنها تجعل صادراتها أكثر تنافسية، ولكنه يعتبر نقمة أيضا لأنه يجعل الواردات أكثر تكلفة ويزيد معدلات التضخم ويرفع تكلفة ديونها المقومة بالدولار.
وسلط الهبوط الحاد فى سوق العملات الضوء على الصدع الذى فرق بين الولايات المتحدة- التى يتضح بها علامات على تعافى اقتصادها القوي، عن باقى دول العالم، حيث مازال النمو ضعيفاً.
وأوضحت البيانات التى صدرت الأسبوع المنصرم أن الركود فى اليابان كان أعمق من التقارير الأولية، فى حين خفض البنك المركزى الأوروبى توقعاته للنمو بالنسبة لمنطقة اليورو انخفاضاً حاداً.
ومثل هذه البيانات تتنافى مع سيل الأخبار الباعثة على التفاؤل من الولايات المتحدة، مثل بيانات الوظائف التى جاءت إيجابية على نحو غير متوقع، مما دفع الدولار إلى أعلى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وهناك تحذيرات عديدة من أن استعادة الدولار لقوته من الممكن أن تؤثر على الأصول الأخرى ولاسيما فى الأسواق الناشئة.
وقال رئيس قسم الاستثمار لدى «فيديلتى ورلدوايد انفيستمنت»، دومينيك روسي، ما يعتبر أخباراً جيدة بالنسبة للولايات المتحدة يمثل عائقاً للأسواق الناشئة، وهذا ما أكده بنك التسويات الدولى الذى صرح يوم الأحد الماضى بأن ارتفاع قيمة الدولار قد يضعف النظام المالى لعدد من البلدان.
ورغم أن الدول الكبرى المنتجة للبترول من أكبر ضحايا الاضطرابات التى شهدتها الأسواق مؤخراً، فمعاناة الدول غير المصدرة للبترول تعتبر أكبر، فالراند الجنوب افريقى احتل صدارة العملات الأسوأ أداءً فى العالم يوم الاثنين الماضى، حيث سجل أدنى مستوى له فى ست سنوات مقابل الدولار الأمريكى نظراً لأن بيانات الحساب الجارى جاءت مخيبة للآمال.
وعلى الرغم من أن تركيا مستورد صاف للسلع الأساسية، فإن الليرة التركية فى طريقها لتسجيل أدنى مستوياتها منذ أكتوبر.
وقال موراك توبراك، محلل لدى بنك «إتش إس بى سي»، من المفترض أن تكون تركيا من أكبر المستفيدين من انخفاض أسعار البترول.






