بقلم: نيك بوتلر
بعد سنوات من التحفظ فى التحدث عن احتمالية تطوير طاقة نووية كمصدر بديل للطاقة، يبدو أن السعودية تحت القيادة الجديدة سوف تبدأ أخيراً باتخاذ خطوات تجاه ما قد يكون أكبر المشاريع النووية على مدار العقد المقبل.
وأظهرت دراسة جديدة أجرتها جامعة “كينجز كوليدج” بلندن ولم تنشر بعد، أن المملكة تمضى قدماً فى تنفيذ خطط لإضافة 16 جيجاوات بحلول ثلاثينيات القرن الجارى، وتقوم هذه الدراسة على أبحاث تم تجميعها من مصادر مفتوحة عبر شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى.
وتوحى التحركات الأخيرة، بأن هناك مخاوف جدية من الاعتماد الزائد على البترول، ومن الاعتراف الضمنى بفشل الخطط طويلة الأمد لتطوير مشروعات الغاز الطبيعى ليحل محل البترول.
ويدّعى السعوديون بأنهم يمتلكون حوالى 290 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز، ولكن رغم مساعى الاستكشاف المتكررة، فإن الإنتاج الحقيقى للغاز مازال محدوداً، مما يثير الأسئلة بشأن مصداقية هذا التقدير، وتقديرات احتياطيات البترول أيضاً البالغة 298 مليار برميل، فمنذ عام 1982، احتفظ السعوديون ببيانات مفصلة ولم يعطوا المحللين الأجانب أى فرصة لاختبار ادّعاءاتهم.
وبالتالى، يعد التحول نحو الطاقة النووية منطقياً، خاصة أن السعودية تستطيع تحمل التكلفة الرأسمالية، وحين تستخدم المملكة الطاقة النووية سوف تتجنب شراكة الاعتماد على الدول الأخرى فى استيراد الغاز.
وتم التوقيع بالفعل على الشروط العامة للشراكات مع الموردين المحتملين، ولا شك أنه سيكون هناك منافسة محمومة على عقود بمليارات الدولارات، والقرارات بشأن من سيحصل على العقود ستكون بمثابة مؤشراً ممتازاً على أولويات السياسة الخارجية السعودية تحت حكم الملك سلمان.
ومع ذلك، إن هناك حتماً فى مجال الشكوك الجدية فى إمكانية بناء وتوليد الـ 16 جيجاوات (والـ 40 جيجاوات من الطاقة الشمسية) فى أوائل ثلاثينيات القرن الحالى، وتم نشر قرار ملكى فى 2010 بهذا الشأن، لكنه لم يتم حتى الآن إحراز أى تقدم على الأرض.
ورغم تحديد عدد من المواقع بالفعل فى الجبيل، وتبوك، وجيزان، لم يتم القيام بأى إنشاءات حتى الآن، وهناك إشارات على أنه يتم إعطاء الخطط دفعة جديدة.
فمن بين أوائل القرارات التى اتخذها الملك سلمان، كان إقالة المجلس الأعلى لمدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة بالكامل، ورغم أن الملك الجديد لم يدل بأى تصريحات بشأن السياسة النووية منذ توليه السلطة، ولكنه كان مشتركاً بشكل خاص فى توقيع عقود تعاون نووى مع اليابان فى 2010.
وقد لاتزال وتيرة التطوير غير واضحة، ولكن الأمر الأكثر أهمية هو اتجاه السياسة، فقرار التحول للطاقة النووية قد يكون منطقياً للغاية من حيث سياسة الطاقة، ولكنه أيضاً سوف يثير مخاوف حتمية بشأن سباق التسلح فى المنطقة.
وعلناً، تنفى السعودية أى نية لتطوير أسلحة نووية، ولكن أوضحت مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة نية الدولة فى الإشراف على نسبة كبيرة من دورة الوقود النووى محلياً حتى تصبح قادرة على الاعتماد على نفسها بنسبة %65 بحلول 2032.
ويعد ذلك طموحاً مقبولاً بموجب بنود معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ولكنه بالتأكيد سوف يتطلب تدقيقاً، ويتناقض هذا القرار مع اختيار الإمارات، التى تطور أيضاً قدرات طاقة نووية، لشراء الوقود من الخارج بدلاً من السعى لتطوير قدرتها على إنتاج دورة الوقود بنفسها.
وتزيد الظروف الإقليمية من احتمالات أن تشعر السعودية فى مرحلة ما أن تطوير سلاح نووى جزءاً ضرورياً من استراتيجيتها الدفاعية، فرغم الرغبة الواضحة للرئيس الأمريكى باراك أوباما للتوصل لاتفاق يمنع إيران من تطوير أى شكل من أشكال السلاح النووى، لم يتم التوصل لاتفاق حتى الآن، ومن غير الواضح إذا كانت المفاوضات سوف تستمر أو لا بعد نهاية يوينو المقبل.
وعلاوة على ذلك، يتسبب تردد الولايات المتحدة فى مساعدة الحلفاء الإقليميين بفاعلية قلقاً، وليس فقط لإسرائيل، وإنما لجيران إيران فى الخليج، والإسرائيليون لديهم بالطبع القدرة على الدفاع عن أنفسهم، وصد العدوان والتهديدات، ولكن ليس كل الآخرين لديهم هذه القدرة.
وبناء على ذلك، فإن الثقة منخفضة، وفى ظل الجيرة المضطربة، سيكون المزاج السائد أن تعتنى كل دولة بنفسها، ولن تكون السعودية وحدها فى ذلك، وإذا قررت إيران مواصلة برنامجها النووى يجب أن يكون هناك رد رادع.
وكما قال هنرى كيسينجر فى شهادة أمام الكونجرس منذ أسابيع قليلة «إذا استنتجت الدول الأخرى فى المنطقة أن الولايات المتحدة وافقت على تطوير قدرات تخصيب، فسوف يصر الجميع على بناء نفس القدرات، وسوف نعيش فى عالم يخصب فيه الجميع اليورانيوم، وسوف يكونون قريبين جداً من مرحلة تطوير السلاح».
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»







