هبوط النمو يعرقل وعوده برفع دخل الفرد لـ25 ألف دولار
تعيش تركيا هذه الأيام أوقات غير مستقرة، مع استعداد الدولة للانتخابات العامة فى يونيو المقبل التى من الممكن أن تحدد مسارها لسنوات مقبلة، أطلق الرئيس رجب طيب أردوغان، الرئيس التركى والشخصية المهيمنة فى البلاد، لهجة عدائية فى علاقاته مع الغرب، وداخليا تمت محاكمة عشرات الأشخاص- بما فى ذلك رسامى الكاريكاتير والصحفيين والطلاب- لإهانة أردوغان منذ أن انتقل من منصبه رئسيا للوزراء إلى توليه منصب رئيس الجمهورية فى أغسطس الماضي.
وموجة عارمة من التشريعات منحت أردوغان السلطة المركزية، وعززت الحكومة قبضتها على السلطة القضائية، فى حين منحت وكالة الاستخبارات والشرطة سلطات أوسع، فضلاً عن التدابير الأخرى التى أعطت للوزراء الحق فى حجب مواقع الإنترنت قبل الحصول على إذن من المحكمة، وحجبت تركيا الشهر الجارى «تويتر» و«يوتيوب» للمرة الثانية فى أقل من عام، وبات فى مقدرة المحافظين إعطاء أوامر للشرطة بالتحقيق أو اعتقال الأشخاص.
وفى خضم كل هذه التحركات، لا يشغل ذهن أردوغان سوى مشروع كبير واحد وهو إقامة رئاسة تنفيذية من شأنها، كما يقول أردوغان، إزالة «جميع العقبات» لحكم تركيا، مما يسمح بإدارة البلاد مثل الأعمال التجارية وأن يحل النظام الرئاسى ما وصفه بالنظام البرلمانى متعدد الأصوات.
ويقول أردوغان إن مثل هذا النظام سيساهم فى مضاعفة دخل الفرد فى تركيا إلى 25 ألف دولار مطلع عام 2023 ونقل البلاد إلى ما وراء مستوى الحضارات المعاصرة.
وإلى حد ما، يحكم تركيا الآن نظام رئاسى بالأمر الواقع، إذ مرر البرلمان الحالى قانوناً أعطى الرئاسة موازنة سرية للاستخبارات والدفاع والسياسة وغيرها، ورغم ما ينص عليه الدستور الحالى بأن يقطع الرئيس علاقاته بالأحزاب السياسية، فمازال أردوغان، أول رئيس لتركيا بالانتخاب المباشر، يحافظ على نفوذه القوى داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وعلى الرغم من صعود الرئيس الذى على ما يبدو لا حدود له، فقصة تركيا لا تدور جميعها بالضرورة حول الاتساع المستمر فى سلطاته، فأداء الاقتصاد، الذى يقوم عليه جزء كبير من دعمه، ليس جيدا كما كان من قبل- إذ بلغ النمو 2.44 فى عام 2014 ويبدو أنه سيزداد تباطؤاً العام الجارى فى حين أن ثقة المستهلك وصلت إلى أدنى مستوياتها فى ست سنوات.
ولا تتوقع غالبية استطلاعات الرأى التى تجرى قبيل الانتخابات المقرر إجراؤها يوم 7 يونيو تغييراً كبيرا فى الدستور، ويرى البعض أن حزب التنمية والعدالة، الذى من المؤكد أن يظل الحزب الأكبر، قد يتعين عليه البحث عن شريك ائتلافى.
واندلع انشقاق غير مسبوق داخل حزب العدالة والتنمية، إذ اختلف أحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء ورئيس الحزب الذى اختاره أردوغان ليخلفه، مع رئيس الجمهورية حول عدد من القضايا تتراوح ما بين الفساد وعملية السلام الرامية إلى إنهاء الصراع الكردى فى البلاد.
وذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز فى تقرير لها أن أوغلو أبدى رغبته فى استخدام كل السلطات التى منحها القانون له، ولكن حتى هذه اللحظة، أجبر أردوغان رئيس الوزراء على التراجع عن جميع القضايا التى اختلفا بشأنها، إذ توقفت مبادرة الشفافية لمكافحة الفساد، كما تم التخلى عن مساعى إدراج رئيس المخابرات كعضو فى البرلمان وتم تجميد عملية مبادرة السلام الكردية.
ولكن كيف ستتحول الدينامية السياسية بعد الانتخابات، وهل سيفوز حزب العدالة والتنمية بالمقاعد الكافية لتغيير الدستور الذى من شأنه إعطاء أردوغان النظام الذى يتوق إليه، ويعد العامل الحاسم فى الإجابة على هذين السؤالين هو نجاح أو فشل حزب الشعب الديمقراطى الموالى للأكراد.
وإذا فاز حزب الشعب الديمقراطى بـ10% أو أكثر من المقاعد البرلمانية، فآمال حزب العدالة والتنمية فى الفوز بـ330 مقعداً اللازمة لإجراء التعديلات الدستورية ستكون ضعيفة، أما إذا فشل فى الحصل على 10% من المقاعد، فستذهب غالبية المقاعد إذاً إلى حزب العدالة والتنمية مما يمنح أردوغان أفضل فرصة لإقامة نظام رئاسى جديد.
ولكن العوائق التى يواجهها- الاقتصاد الضعيف والحسبة الانتخابية والمعارضة داخل حزبه- إذا كان يرغب فى تعزيز حكمه، تبدو أكبر من أى وقت مضى.








