أوكرانيا.. معضلة أوروبا

ولا تستطيع أوكرانيا تحمل تكلفة خدمة الديون التى لديها بالفعل
البلاد تحتاج بشدة نموذجاً جديداً للأعمال التجارية لإنعاش اقتصادها

بقلم: نيك باتلر

لا يستطيع السياسيون وصانعو السياسة سوى التركيز على مشكلة واحدة فى وقت واحد، ومع تركيز كل الاهتمام على اليونان خلال الشهر الماضى، فهناك مشكلة أكبر آخذة فى التطور، وغالباً لا يلاحظها أحد، فى أوكرانيا، حيث يعد الاقتصاد فى ورطة كبيرة، وقد يؤدى المزيد من الانهيار، الذى قد ينجم عن العجز فى سداد الديون، إلى تدفق اللاجئين، وهى مشكلة قد تجعل مشكلة المهاجرين عبر البحر المتوسط تبدو تافهة، كما تعد الطاقة فى قلب الأزمة ولكنها من المحتمل أن تكون جزءاً من الحل.

والقصة الأساسية يعرفها الجميع جيداً، فمنذ مظاهرات الميدان التى اندلعت فى نوفمبر 2013، تقلص الاقتصاد الأوكراني، ومن المتوقع أن يعقب انخفاضه العام الماضى بنسبة 5% انكماش يتراوح بين 5 و10% فى عام 2015، وتوقفت الاستثمارات، وفى قطاع الطاقة توقفت المشروعات الكبرى المحتملة مثل تطوير حقول الغاز الصخرى الذى خططت له شركتا «شل» و«شيفرون».

وقطع القتال فى الشرق إمدادات الفحم إلى باقى أنحاء البلاد من 300 منجم فى منطقة دزنباس، كما قطع استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم إمدادات الغاز، ونتيجة لذلك أصبحت أوكرانيا أكثر اعتماداً على استيراد الغاز والفحم من جنوب أفريقيا وأستراليا وأجزاء أخرى من أوروبا، ومن المفارقة أنها تستورد حتى من روسيا، وهذه الإمدادات ليست رخيصة وفى العديد من الحالات لا يصدّر الموردون أى شيء إلا إذا حصلوا على دفعة مقدمة وبالعملة الصعبة.

ونتج عن كل ذلك تنامى عبء الدين القومى الذى أصبح الآن لا يمكن تحمله، ولا تستطيع أوكرانيا تحمل تكلفة خدمة الديون التى لديها بالفعل، وكل شهر يتحول السداد إلى لحظة صادمة، وأفادت الحكومة فى كييف بأنها على مقربة من التعثر فى سداد بعض أو كل الديون- وهى خطوة من شأنها أن توقف مزيداً من الإقراض وتدفقات الاستثمارات الصناعية الجديدة التى تحتاج البلاد إليها بشدة، والتى تقدم الأمل الوحيد لإيقاف التراجع الاقتصادي.

ولا يكمن الخطر فقط فى أن التعثر قد يصرف المقرضين والمستثمرين عن أوكرانيا، بل قد يدفع آلاف الأوكرانيين أيضاً إلى الهجرة عبر حدود البلاد الطويلة التى يسهل اختراقها مع بولندا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا، وإذا لم تستطع أوروبا معالجة مشكلة التدفق المحدود للناس عبر البحر المتوسط، فيستطيع المرء أن يتخيل الفوضى والذعر اللذين قد يتبعان النزوح من أوكرانيا.

هل يمكن فعل أى شيء؟ ينعقد مؤتمر كبير فى واشنطن الأسبوع الجارى لتشجيع الاستثمارات الجديدة فى أوكرانيا، وهى خطوة جديرة بالثناء ودليل آخر على حقيقة أن الحكومة الأمريكية تأخذ الموقف فى أوكرانيا على محمل أكثر جدية من أى شخص آخر فى أوروبا، ولكن هذه المحاولة ستفشل ما لم تُحل مشكلة الديون ويتم تجنب التعثر.

ويجرى صندوق النقد الدولى ومجموعة من المقرضين من القطاع الخاص مناقشات مكثفة بشأن حزمة إعادة هيكلة الديون، ولكن حتى تكون مثل هذه الصفقة مقبولة يجب أن تكون مرتبطة بالاستثمارات التى تقدم فرصة حقيقة للإيرادات المالية التى يمكن من خلالها سداد الديون فى نهاية المطاف، وينبغى أن تكون الطاقة فى قلب هذه الاستثمارات.

وأصبحت محطات الطاقة النووية قديمة وتحتاج إلى الترميم وفى بعض الحالات تحتاج إلى تجديد كامل، كما أن الشبكات الكهربائية فى حاجة إلى التحديث، وهناك إمكانات هائلة للاستثمارات فى كفاءة الطاقة، وتوفر كل هذه المشروعات وظائف وتقدم أيضاً إمدادات آمنة للمستخدمين المحليين، وفى الوقت ذاته تحد من عبء الاستيراد، حتى أنه من المحتمل أن تصبح أوكرانيا بمرور الوقت مُصدراً للكهرباء إلى أجزاء أخرى من المنطقة، ومن الممكن مبادلة سندات الطاقة ببعض الديون، فالبلاد تحتاج بشدة نموذجاً جديداً للأعمال التجارية لإنعاش اقتصادها، ويجب أن تكون الطاقة محور حل الأزمة.

ولا يحل أى مما سبق بالطبع المشكلات الناجمة عن صراع الانفصاليين المستمر فى الشرق، ولن يتم حل الموقف السياسى إلا عندما تسأم روسيا من تمويل الصراع الخاسر، وأن تنهك جداً من العزلة النسبية الناجمة عن العقوبات، ومن الواضح أن الغرب غير مستعد للقتال من أجل شرق أوكرانيا، ولكننا فى حاجة فعلاً إلى التحرك لمنع البلاد من دخول دوامة التدهور التى قد تنتهى بفشل الدولة.

المصدر: فاينانشيال تايمز