الدول النامية لا تستجيب لطلبات تقديم معلومات عن الفروع الخارجية
100 مليار دولار قيمة أنشطة التهرب سنوياً
عندما يتعلق الأمر بتمويل التنمية، تكون الضرائب هى الجزء الأهم فى اللغز، ولكن نظام فرض الضرائب على الأرباح العالمية يعد معطلاً، ويفاقم عدم المساواة داخل وعبر البلدان على حد سواء، وإذا كان يتعين على العالم إحراز تقدم حيال أهداف القضاء على الفقر والحد من ارتفاع عدم المساواة، فيجب إصلاح هذا النظام.
وتكمن المشكلة الأكبر فى النظام الحالى فى أنه من خلال فرض الضرائب على فروع الشركات الدولية باعتبارها كيانا منفصلا، يمنح مجالا واسعا أمام الشركات العالمية للتهرب من التزماتها الضريبية، وجهود الإصلاح التى تبذلها منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية بناء على طلب مجموعة العشرين تمثل ترحيباً بالمساعى لمعالجة ما يطلق عليه «تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح».
وأهم ما فى مبادرة منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية هو متطلبات تقديم التقارير الضريبية لكل دولة على حدة، وهو ما يجبر الشركات متعددة الجنسيات على تقديم معلومات مجمعة سنويا فى كل ولاية قضائية يقام بها أعمال تجارية فيما يتعلق بالدخل والضرائب المدفوعة، كما يجب أن تقدم معلومات عن الكيانات التى تقيم أنشطة فى كل ولاية قضائية والأنشطة التجارية التى تنخرط فيها.
ولكن هذه التقارير ستنطبق فقط على الكيانات التى تزيد فيها الإيرادات على 750 مليون يورو، أى ما يعادل 845 مليون دولار، ولن يتم نشرها علنا، وعلاوة على ذلك، يتعين على الدول تلبية شروط معينة للوصول إلى المعلومات- وهو الهيكل الذى لن يعود بالنفع على غالبية الدول النامية.
ويقول جوزية أنطونيو أوكامبو فى مقال له على موقع بروجيكت سينديكيت، إن الدول النامية هى الأكثر عرضة للخطر، وفى الواقع أفاد صندوق النقد الدولى مؤخرا بأن الدول النامية تخسر ما يزيد على ثلاثة أضعاف إيرادات الضرائب على الشركات فى أنشطة «تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح» مقارنة بالدول المتقدمة، ووفقا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، فإن مثل هذه الأنشطة التى تقوم بها الشركات متعددة الجنسيات- التى تشكل ثلث القاعدة الضريبية فى الدول النامية- تنتج عنها خسائر سنوية تبلغ قيمتها 100 مليار دولار.
ونظراً للدور الرئيسى الذى تلعبه الإيرادات الضريبية فى مساعى تمويل التنمية- التى توفر ثلثى التمويل اللازم لتحقيق الأهداف الإنمائية الألفية للأمم المتحدة- يجب وقف نزيف الإيرادات الضريبية، ويرى أوكامبو أن العالم لديه فرصة غير مسبوقة لتحقيق إصلاحات كبيرة فى نظام الضرائب على الشركات الدولية الذى يخدم المصلحة العامة العالمية بدلاً من المصلحة الوطنية فقط.
وللمساعدة فى إقناع زعماء العالم بالاستفادة من هذه الفرصة، أصدرت الهيئة المستقلة لإصلاح الضرائب المفروضة على الشركات الدولية مجموعة من التوصيات لإصلاح القواعد والمؤسسات التى تحكم ضرائب الشركات الدولية، وتتضمن المقترحات حداً أدنى من ضريبة الشركات توافق عليه الدول المتقدمة وآليات لمنع الشركات متعددة الجنسيات من تحويل أرباحها إلى فروعها فى الولايات التى تفرض ضرائب منخفضة.
وبخلاف إصلاحات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، توصى الهيئة المستقلة لإصلاح الضرائب المفروضة على الشركات الدولية بأن تقدم الشركات متعددة الجنسيات تقارير تنشر علنا عن الضرائب المدفوعة فى كل ولاية قضائية، وعلى المدى الطويل، تناشد الهيئة إحداث تحول فى نظام الضرائب بحيث يتم فرض الضريبة على الشركات متعددة الجنسيات باعتبارها شركة واحدة، والخطوة الأولى نحو تحقيق هذه الأهداف سيكون فى تأسيس هيئة حكومية دولية لدفع عجلة الإصلاح الضريبى التى تشتد الحاجه إليه، فى حين تعزيز التعاون الضريبى بين الحكومات.
ويجب ألا يكون مثل هذا الكيان العالمى مكانا للتعاون بين الحكومات فقط، بل يجب أن يدعم ايضا نقاشا أوسع وأكثر شمولية بشأن الإصلاح الضريبي، وكانت مثل هذه المناقشات لفترة طويلة حكرا على المفاوضات المغلقة بين الحكومات والشركات الكبرى، مع اعتبار هذا الموضوع اختصاصيا جدا حتى يصعب على العامة فهمه.
وحتى الآن يرى العديد أن إشراك الجميع فى المناقشة سيؤدى إلى تسييس النظام الضريبي، لذا فإن القرارات يجب أن تترك للخبراء، ولكن الضرائب سياسية بطبعها نظرا لأنها تتضمن قضايا المساواة والعدل والمنفعة العامة، وفى الواقع، تعد قضايا الضرائب جوهر إنشاء البرلمانات الديمقراطية الحديثة، وتلك القضية التى لها مثل هذه الآثار بعيدة المنال ينبغى ألا تتم مناقشتها سريا.
ويختتم أوكامبو مقاله قائلاً إنه إذا كان قادة العالم جادين بشأن الحد من عدم المساواة والقضاء على الفقر، فيجب أن يلتزموا بخلق نظام ضريبى شفاف.
نهى مكرم








