غيمة اقتصادية سوداء تغطى سماء السعودية.. والمحللون ما بين متشائم بشدة أو متفائل بأن الأمور ستعود كما كانت بأن يرتفع النفط لأكثر من 100 دولار…
«شخصياً لست متفائلاً» هكذا غرد الاقتصادى السعودى عصام الزامل على تويتر الأسبوع الماضى وسط موجة متصاعدة من التغريدات لاقتصاديين ورجال أعمال بارزين يعربون فيها عن مخاوفهم فى إشارة واضحة على تعكر مزاج مجتمع المال والأعمال من فكرة أن أسعار النفط التى هبطت لأدنى مستوى فى ستة أعوام قد تظل منخفضة لسنوات أخرى.
وبعد أكثر من عشر سنوات من طفرة نفطية دفعت إيراداتها اقتصاد أكبر مصدر للخام فى العالم لنمو سريع يبدى السعوديون تخوفهم من أنهم قد يكونون مقبلين على فترة طويلة من ظروف اقتصادية أقل رفاهية وأكثر تواضعاً.
وانعكست آثار هذا التخوف المؤلم على صفحات التواصل الاجتماعى وفى مقالات الرأى بالصحف المحلية وفى النقاشات العامة التى انتقد بعضها السياسات الحكومية فى بادرة غير مألوفة.
وغرد الكاتب الاقتصادى عبدالحميد العمرى قائلاً «السعودية تستقبل مرحلة اقتصادية مختلفة 100% عن العشر سنوات الماضية، سنواجه شح السيولة وارتفاع الفائدة على الريال وضعف النمو والتوظيف».
وأضاف فى تغريدة أخرى «طوال العشر سنوات (الماضية) ذهبت نصائح المختصين أدراج الرياح فلم يستمع لها الجهاز الاقتصادى بل نام على وسادة ارتفاع النفط ونسب النمو لسياساته».
ولفت العمرى إلى أن الفترة المقبلة رغم صعوبتها ستكون فرصة لتصحيح «التشوهات» الاقتصادية من إدمان القطاع الخاص للدعم الحكومى وتركز السيولة على مضاربات الأسواق المحلية لاسيما سوقى الأسهم والعقارات.
ومن موقع تويتر إلى أعمدة الرأى فى الصحف المحلية حث اقتصاديون آخرون ورجال أعمال المسئولين على العمل بشكل أكبر على تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط والحد من اعتماد المملكة على ملايين العمال الأجانب.
وكتب الاقتصادى إحسان أبوحليقة فى صحيفة اليوم «ندرك جميعاً أن التحديين الأكثر بروزاً وتأثيراً على اقتصادنا السعودى تنمية ونمواً هما استقرار إيرادات الخزانة العامة وتنويع الأنشطة الاقتصادية المكونة للناتج المحلى الإجمالى، النفط وإيراداته يمسك اقتصادنا السعودى إمساكاً تاماً».
وأضاف «هذا ليس اكتشافاً جديداً، إننا لم نبارح هذه العقبة كأداء بما يحقق استقراراً لإيرادات الخزانة وتنويعاً للأنشطة الاقتصادية لنجد أننا وجهاً لوجه مع متلازمة البرد النفطى – إصابة اقتصادنا بالبرد عندما عطس النفط».
وتابع: «عند التمعن يمكن الجدل أن ما سيخرجنا من متلازمة البرد النفطى هما مرتكزان اثنان: إيجاد حل لمعضلة سوق العمال السعودى وتنفيذ استراتيجية الخصخصة، من خلال تنشيط الشراكات العامة الخاصة».
من جانبه قال الاقتصادى فضل البوعينين فى مقاله بصحيفة الجزيرة «يبدو أننا لا نعانى ندرة الأفكار والأهداف الاستراتيجية بقدر معاناتنا مع أجهزتنا التنفيذية التى يفترض أن تهتم بتحويل الأهداف الموضوعة إلى واقع معيشى، تحديات الدخل الحالية يفترض أن تدفعنا نحو مراجعة الخطط الاقتصادية التى لم تسهم فى تحقيق الأهداف الرئيسية.
«ما حدث فى أسواق النفط مؤخراً، وما قد يحدث مستقبلاً يجعلنا أكثر حاجة لتنويع الاقتصاد وخلق قطاعات إنتاج جديدة قادرة على خلق الوظائف وزيادة الناتج المحلى ورفع حجم الصادرات وتوفير مصادر دخل حكومية مستقلة عن إيرادات النفط».
فيما قال المستشار الاقتصادى فواز العلمى فى مقال بصحيفة الوطن، إن المملكة كان يمكن ان تستعيض عن إصدار سندات لتمويل عجز الموازنة بإصلاح أساليب دعم الطاقة وتوجيهها للمستحقين.
الاحتياطيات سجلت المملكة احتياطيات مالية هائلة خلال السنوات الماضية تحول بينها وبين تعرضها لأزمة اقتصادية مثلما يتخوف البعض، ومع وصول سعر مزيج برنت إلى 45 دولاراً للبرميل ستسجل المملكة عجزاً فى الموازنة يقارب 150 مليار دولار، لكن لديها احتياطيات أجنبية تزيد على 600 مليار دولار، كما أن الدين الخارجى منخفض،يعنى هذا أن الرياض لا تزال قادرة على الإنفاق ودعم الاقتصاد.
ولم تصدر أرقاماً رسمية بعد لكن هناك علامات، على أن الناتج المحلى الإجمالى سجل نمواً قوياً فى الربع الثانى من العام مع زيادة المملكة إنتاجها النفطى فى تعويض جزئى لتراجع الأسعار.
كذلك لم يتأثر إنفاق المستهلكين الذى دعمته مكافآت سخية من العاهل السعودى الملك سلمان عندما تولى عرش البلاد فى يناير كانون الثانى.
وسجلت شركة جرير أحد أكبر شركات التجزئة فى المملكة نمواً بلغ 9% على أساس سنوى فى مبيعات الربع الثانى.
لكن مع ذلك يتخوف السعوديون من أن تكون تلك المكافآت قد ولى زمنها فى عصر تراجع النفط، ودفعت تلك المخاوف سوق الأسهم للهبوط بنحو 12% فى أغسطس وخسارة 50 مليار دولار من قيمته السوقية.
وما يعزز المخاوف كذلك قلة التصريحات الحكومية حول خطط مواجهة تراجع النفط لسنوات.
وكان وزير المالية إبراهيم العساف، قال فى ديسمبر إن المملكة قادرة على استيعاب تراجع النفط على المدى المتوسط وإنها ستواصل الإنفاق على خطط التنمية، لكن لم تظهر أى تصريحات حكومية مباشرة فى الآونة الأخيرة لاسيما بعد هبوط سوق الأسهم وهو ما ترك رجال الأعمال يضربون أخماسا فى أسداس بشأن ما قد يحدث مستقبلا.
وفى يوليو أصدرت الحكومة سندات للمرة الأولى منذ 2007 لتمويل عجز الموازنة لكنها لم تعلن عن المبلغ المتوقع اقتراضه مما أثار تخوف مصرفيين من وجود أزمة سيولة.
وقد يترك غياب التصريحات الحكومية الأسواق عرضة للمضاربات، وكان أحد عوامل هبوط السوق السعودى الأسبوع الماضى شائعات بأن الحكومة تبيع أسهما لتوفير سيولة وهو ما نفته وكالة الأنباء السعودية عبر تصريح لمسئول رسمى لم تفصح عن هويته.
وخلال الأسبوع الماضى حث صندوق النقد الدولى الرياض على إجراء إصلاحات تتعلق بأسعار الطاقة المحلية وعلى خفض فاتورة أجور القطاع الحكومى وفرض ضريبة القيمة المضافة وفرض رسوم على الأراضى خلال السنوات المقبلة.
ويرى الكثير من الاقتصاديين أنه لن يكون هناك بديل عن تلك الإصلاحات على المدى الطويل لكن لم يصرح المسئولون الحكوميون بشأن الوقت الذى قد تطبق فيه هذه الإصلاحات.
يقول مصرفى سعودى لرويترز «الهيكل الهرمى للحكومة الذى يتسم بالجمود يجعل تغيير السياسيات الاقتصادية أمرا صعبا…الكل ينتظر التوجيه».







