أزاح هجوم الدولة الإسلامية “داعش” على باريس، الستار عن نقطتى ضعف، الأولى هى ضعفنا تجاه الخطر الذى يشكله المقاتلون الانتحاريون الماهرون، والثانية نقطة ضعف تهدد وجود الدولة الإسلامية.
ويعد الخطر الذى يشكله المهاجمون الانتحاريون حقيقياً جداً. وما دام استمر الصراع فى سوريا والعراق، فسيكون هناك مزيد من المقاتلين المدربين لتحدى المجتمعات الغربية، لاسيما أوروبا.
والدولة الإسلامية كان لديها القدرة على محاولة تنفيذ هذا النوع من الهجوم فى أوروبا منذ سنوات.. لكنها اختارت عدم القيام بذلك. وتشير هجمات باريس إلى أن قائد الدولة الإسلامية، أبوبكر البغدادي، يلتزم الآن باستراتيجية تصعيدية للإرهاب الدولي.
وتعد هذه الاستراتيجية مصيرية، إذ تفرض مزيداً من التكاليف على مؤسسة لا تعطى اهتماماً كبيراً لمواردها.
ولدى الدولة الإسلامية، نموذج عمل تجارى معيب على نحو كبير، إذ تعتمد اعتماداً كبيراً جداً على ثلاثة مصادر غير مستدامة، هى البترول والآثار المنهوبة والابتزاز المحلي.
وكما أشار أحدنا فى بحث ذى صلة فإن: «آبار البترول ستتعطل دون وجود مهندسين لإصلاحها، وسيباع هذا البترول بسعر منخفض للغاية، ومن الممكن سرقة الآثار لكن ليس من الممكن بيعها سريعاً؛ لأنها تباع فى سوق صغير يتسم بطلب غير مرن».
بالإضافة إلى ذلك، فإن رأسمال التنظيم، البشرى والمادى على حدٍ سواء، الذى يدعم الاقتصاد الذى تديره الدولة الإسلامية، صغير. وسوف يتدهور عندما يخضع للضريبة المفرطة أو الابتزاز.
لكن.. كيف يمكننا قياس قدرة الدولة الإسلامية على البقاء؟
تتمثل إحدى الآليات فى النظر إلى إجمالى العائدات من المصادر المختلفة، إيرادات البترول والضرائب والابتزاز، ومصادر الدخل الأخرى الأصغر، ونسأل: «ما الذى يعنيه ذلك حيال قدرة الدولة على زيادة الإيرادات؟ وتتراوح التقديرات الموثوق بها للإيرادات السنوية للدولة الإسلامية ما بين 400 مليون ومليار دولار.
ويبلغ الناتج المحلى الإجمالى للفرد قبل الحرب فى المنطقة التى تسيطر عليها الدولة الإسلامية 4.700 دولار.
ولذلك، إذا افترضنا أن أحداً لم يترك المنطقة، وأن الوضع الاقتصادى جيد كما كان قبل الحرب، فإن إيرادات الجماعة تتراوح ما بين 3% و7.5% من الناتج المحلى الإجمالى للمنطقة. ومثل هذه الأرقام تعنى قدرة ضئيلة للغاية على فرض الضرائب، خصوصاً بالنسبة لاقتصاد حرب. إذاً.. هل يمكن أن نستنبط من التقارير الحالية، أن الدولة الإسلامية تولد عائدات ضخمة من البترول؟
توضح التقارير الأخيرة، على سبيل المثال، كيف يمكن أن تمتد طوابير شاحنات نقل البترول فى حقل واحد إلى ما يقرب من أربعة أميال.
ويشير هذا إلى الطلب الضخم وبالتالى أرباح ضائعة هائلة. فإما أن التنظيم لا يستطيع استخراج بترول كاف من الحقول لتلبية الطلب المتوقع، إذ يبلغ الحد الأقصى للسعة الإنتاجية للحقل 75.000 برميل يومياً، وهو ما يكفى لملء 750 شاحنة يومياً من الناحية النظرية، وإما أنه يفتقر إلى الخبرة اللازمة لملء العديد من الشاحنات سريعاً.
وفى أى حال، فإن قدرة «داعش» على استغلال حقول البترول التى احتلتها تبدو محدودة على نحو كبير، وهو ما يعد نذير سوء للدولة الإسلامية حيال قدرتها على إصلاح آبار البترول بعد تفجيرها أو إذا أصبحت تالفة.
ويعد هذا النقص فى العائدات المستدامة أمراً مهماً، لأن الدولة الإسلامية لا تنخرط فقط فى الأعمال الإرهابية بل أيضاً فى الصراع الكلاسيكي. فتمويل خلية إرهابية غير مكلف، ولكن الحرب الأهلية التقليدية مكلفة. فمن أجل الدفاع عن مقاطعة فى إطار الصراع المتكافئ، يجب أن تحافظ الدولة الإسلامية على أعداد ضخمة من المقاتلين والمعدات فى خطوط المعركة، ويجب تعيين وتسليح وتوفير الغذاء والملبس لهذه القوات، وإمدادها بالذخيرة باستمرار. وعلاوة على ذلك، فإن المشكلة المستدامة ليست مالية فقط، بل إنها تنطبق أيضاً على الأسلحة والمركبات التى تم الاستيلاء عليها، والتى ستتراكم وتتعطل لعدم وجود الصيانة الجيدة التى تفتقر الجماعة إلى الخبرة أو الحليف لتوفيرها.
وعلى المدى الطويل، يمكن احتواء الدولة الإسلامية جغرافياً من خلال استخدام أدوات مكافحة الإرهاب التى استخدمتها الولايات المتحدة وحلف الناتو على نطاق واسع فى أفغانستان وباكستان وغيرهما من المناطق غير الخاضعة لحكم خلال العقد الماضي. وهذا يتطلب تعاوناً أفضل مع الحلفاء، وحظراً صارماً على الدعم الهندسى ومبيعات الأسلحة ومشتريات البترول.
وصدمت الدولة الإسلامية، العالم فى هجمات باريس. ولكنها تواجه فى الشرق الأوسط مشكلة الموارد المتناقصة والضغط العسكرى المتزايد على طول جميع حدودها. وتحت هذه الظروف، سينكمش أو ينهار هذا التنظيم، كما نأمل. وتنكمش أيضاً رؤية الخلافة الجهادية التى يروجها بمهارة للمجندين والجهات المانحة.
بقلم: إيلى بيرمان ويعقوب شابيرو
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»
إعداد: نهى مكرم








