لم تعد الدكتورة منى الجرف، المدير التنفيذى لجهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار.. قادرة على الصبر كثيراً على حال الجهاز.. فخرجت عن صمتها فى محاولة للفت الأنظار أن الجهاز بلا أنياب وأن كل ما يفعله هو إجراء دراسات وتحقيقات ثم يتم إحالة نتائجها للنيابة العامة والتى هى صاحبة القرار فى تحريك الدعوى الجنائية من عدمه ضد من تدينهم تحقيقات الجهاز.. هذا بخلاف عدم وجود توقيت محدد لتحريك الدعاوى ضد المحتكرين.
د. الجرف خرجت عن صمتها وقالت حينما سئلت عن قرار احتكار شركات الدواجن والذى أحالت فيه 24 شركة دواجن للنيابة بتهمة الاحتكار عام 2013.. إن أمر احتكار شركات الدواجن والنساجون الشرقيون لم يحسم فى النيابة العامة منذ إحالة الملف منذ عدة أعوام.. والمشكلة فى قانون إنشاء جهاز الاحتكار والذى ينص على أنه لا عقوبة إلا بقرار من المحكمة والجهاز ليست لديه صلاحية فرض الغرامة.. وبالطبع كل ذلك يشير إلى أن الجهاز لا قدرة له على ردع المحتكرين.. وأن وجوده مثل عدمه.
والجهاز الذى تم إنشاؤه منذ ما يقرب من 10 سنوات تلقى ما يقرب من 150 بلاغاً أثبت منها نحو 19 قضية احتكار كان أغلبها فى قطاعات البناء والصناعات الغذائية والاتصالات والأدوية والتأمين والمنسوجات والسجاد.. ولا ننسى احتكار الأسمنت الذى كان أهم إنجازات الجهاز ولكنه لم يستطع أن يثبت احتكار الحديد فى البلاغ الشهير ضد رجل الأعمال أحمد عز وقت أن كان له نفوذه فى الحزب الحاكم والبرلمان.. وللأسف قانون إنشاء الجهاز لم يمكنه من أداء دوره بل جعل رقابته منقوصة قيدها القانون بقيود من حديد.. مثلما حدث فى التعديل الأخير لقانون الجهاز فى المادة 19 والتى تنص على أن يلتزم الأشخاص الذين يتجاوز رقم أعمالهم السنوى فى آخر ميزانية 100 مليون جنيه بإخطار جهاز حماية المنافسة لدى اكتسابهم لأصول أو حقوق ملكية أو انتفاع أو أسهم أو إقامة اتحادات أو اندماجات أو استحواذ أو الجمع بين إدارة شخصين أو أكثر.. هذه المادة خاصة بالاندماجات والاستحواذات التى بالطبع يمكن أن تخلق كيانات احتكارية تضر بالسوق وبالاقتصاد القومى.. وكان أهم المطالب فى السنوات الأخيرة أن يكون للجهاز دور فى عمليات الاندماج والاستحواذ ولكن للأسف جاء التعديل التشريعى ليجعل مراقبة الجهاز على هذه العمليات لاحقة وليست سابقة.. فما جدوى هذه المادة بإعلام الجهاز بعمليات الاندماج أو الاستحواذ بعد أن تكون قد تمت هذه العمليات.. وكان الأجدر أن يكون للجهاز قول فصل فى هذه العمليات قبل إتمامها.
وكثير من الظواهر والممارسات الاحتكارية تتم تحت أعين الحكومة والجهاز الذى أصبح تابعاً لمجلس الوزراء وليس لوزارة التجارة ليكون أكثر استغلالية إلا أنه غير فعال.. فهل ينكر أحد أن هناك شبهة احتكارية فى موضوع الأرز؟.. وهل ينكر الجهاز أن هناك اتفاقات سعرية بين المنتجين لكثير من السلع؟.. ومن هنا لابد من إعادة النظر فى قانون الجهاز لتكون له فعالية أكثر فى ظل هذا التغول الموجود بالأسواق فى مختلف القطاعات.. نحن لا نريد كيانات فارغة المضمون وإلا كان توفير وجودها أفضل مادياً للدولة.. وقد كان معلوماً للجميع لماذا كان دور الجهاز محدوداً فى سنوات ما قبل الثورة بسبب نفوذ كبار رجال الأعمال وسيطرتهم على دوائر الحكم فى عهد مبارك.. ولكن المفروض أن تكون الأمور قد تغيرت وإذا كانت الحكومة قد قامت بتعديل نحو %60 من قانون الجهاز فلا مانع من أن تقوم بتعديل النسبة الباقية لتخلق جهازاً أكثر فعالية وبأنياب تقضم أظافر المحتكرين.







