بقلم/ جون سفاكياناكيس
فى مقابلة صحفية فى دافوس الشهر الماضي، أعلن محافظ البنك المركزى السعودي، أحمد الخليفي، أن أزمة النقدية التى عصرت البنوك التجارية العام الماضي، انتهت.
وهو محق فى ذلك، فقد أظهر إجمالى الودائع فى النظام المصرفى تحسنا منذ منتصف 2016، وارتفع إلى 0.8% على أساس سنوى فى ديسمبر مقارنة بالعام السابق. وقامت مؤسسة النقد العربى السعودى بوظيفتها من خلال التدخل مرتين فى 2016.
ففى فبراير 2016، رفعت المؤسسة نسبة القروض إلى الودائع من 85% إلى 90% لزيادة السيولة، وفى ذلك الوقت، وصل سعر الإقراض بين البنوك لآجل ثلاثة أشهر إلى أعلى مستوى منذ 7 سنوات. كما وصلت التكهنات بتخفيض قيمة الريال إلى أعلى مستوى فى حوالى عقدين يناير 2016، رغم تعهد السلطات بالإبقاء على ربط عملتها بالدولار. وكان كل متداول خارج المملكة تقريبا مقتنع بأن المملكة قريبة من تخفيض قيمة عملتها أو حتى فك ارتباطها.
وبدا كل شيء صعب بشكل خطير مع تراجع الإيرادات البترولية، وتوقف الإنفاق الحكومي، وعدم دفع المتأخرات الحكومية للقطاع الخاص (خاصة المقاولون)، وشح السيولة، وتراجع الثقة.
وفى النصف الأول من 2016، تم الإعلان عن رؤية 2030، وهى خارطة طريق طموحة لإعادة هيكلة الاقتصاد من اقتصاد يقوده القطاع العام إلى اقتصاد يعتمد على القطاع الخاص، ثم تلاها خطة التحول الوطنية 2020، والمكلفة بتحقيق الرؤية وتحديد التحديات التى تواجه الجهات الحكومية فى القطاعات الاقتصادية والتنموية.
وفى مطلع صيف 2016، قفزت نسبة القروض للودائع – مقياس أساسى للسيولة – فى البنوك السعودية مجتمعة إلى 90.2% فى يونيو، وهى النسبة الأعلى منذ نوفمبر 2008، وفقا لبيانات البنك المركزي، وأصبحت حاجة القطاع الخاص للقروض ملحة، ولكن تكاليف الاقتراض المرتفعة كانت لتضعف نمو القطاعات غير البترولية.
ونتيجة لذلك، فى يونيو 2016، اضطر البنك المركزى للتدخل بشكل ملموس اكثر لتعزيز السيولة فى النظام المصرفي، وقدم للمقرضين المحليين حوالى 15 مليار ريال (4 مليارات دولار) كقروض قصيرة الأجل بفائدة منخفضة.
وبحلول أكتوبر 2016، فعلت السلطات خيرا عندما وعدت ببيع سندات دولية للمرة الأولي، وكانت إصداراتها بقيمة 17.5 مليار دولار هى الأكبر من دولة صاحبة سوق ناشئ. كما أن تسديد الديون وتوزيع 27 مليار دولار فى نوفمبر وديسمبر على المقاولين والشركات، ساعد على تخفيف أزمة السيولة.
ونجح البنك المركزى فى مسعاه، وانخفضت تكاليف الاقتراض بأكثر من 40 نقطة أساس، وتراجعت نسبة القروض للودائع إلى ما دون 88% ولا تزال تتراجع تدريجيا، كما أن احتياطيات البنك فى مستوى صحى للغاية عند 10% من الناتج المحلى الإجمالي.
وانخفض الإنفاق الحكومى فى 2016، وهو ما سيحافظ على أهداف الانضباط المالي. وتراجعت وتيرة تآكل الاحتياطيات الأجنبية وانتهى عام 2016، وهى عند مستوى 80 مليار دولار.
السؤال الآن، ماذا نتوقع بعد ذلك؟ نظرا لأن عام 2016 كان عام الانضباط المالى والإعلانات التحويلية. وستبدأ الأسواق فى البحث عن فرص، وتظهر بالفعل فرص فى قطاع الطاقة النظيفة.
ومن المتوقع أن يزدهر القطاع غير البترولى من مستويات النمو القريبة من صفر العام الماضي. وأوضحت أحدث بيانات مؤشر مديرى المشتريات عودة النمو، إذ ارتفع من 55.5 نقطة فى ديسمبر إلى 56.7 نقطة الشهر الماضي.
وتعد القراءة فوق الـ 50 نقطة دليلا على توسع الأعمال.
وستبدأ آثار تدابير تعزيز النمو، بالإضافة إلى الاستثمارات فى قطاع الطاقة المتجددة وحزمة التحفيز لدعم القطاع الخاص بقيمة 53 مليار دولار، فى الظهور باقتصاد العام الحالي.
ومن المقرر أن تبدأ السعودية خلال الأسابيع القليلة المقبلة، جذب العروض للمرحلة الأولى من برنامج الطاقة المتجددة «الضخم» بقيمة 30 إلى 50 مليار دولار.
وعلى الجانب المالي، يتم ضبط الأوضاع المالية بشكل حكيم مع مراعاة أهمية الإنفاق الرأسمالي، الذى سيركز أكثر على الصحة والتعليم ومشروعات البنية التحتية الكافية لتعزيز نشاط القطاع الخاص.
وسيكون أداء أسواق الدين جيدا العام الحالي. وستطرح المملكة ديونا محلية أقل لكى تولد السيولة المطلوبة بشدة، فى حين ستطرح سندات سيادية دولية أكثر لسد العجز فى الموازنة. وهذا من شأنه أن يولد منحنى عائد أفضل، وأن يدفع الشركات إلى إصدار أوراق أكثر وبسعر أفضل. وستكون شركة «أرامكو» السعودية آخر الطارحين.
وعلاوة على ذلك، يمكن أن تطرح الدولة صكوكا بآجال استحقاق متباينة، وسيكون هناك طلب قوى على الصكوك طويلة الأجل من المستثمرين فى الأدوات المتوافقة مع الشريعة.
وسيساعد ضم الأوراق المالية السعودية فى مؤشر «مورجان ستانلى كابيتال انترناشونال» للأسواق الناشئة خلال العام الحالي، الأسهم على الأداء بشكل أفضل من نظرائها ويفصلها أكثر عن البترول.
ومع استمرار الإصلاح السعودي، من المفترض أن يتحسن أداء قطاعات الرعاية الصحية، والبتروكيماويات، والنقل، والأغذية، والخدمات العامة خلال العام الحالي.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»