قال الدكتور عادل راضى، رئيس هيئة التنمية السياحية الأسبق، فى حواره لـ «البورصة»: إن الاستثمار السياحى توقف بالكامل خلال العام الماضى، واقتصر الأمر على استمرار العمل فى بعض الاستثمارات الخاصة بتلك المشروعات، التى تحت الإنشاء.
وأضاف أن الاستثمارات السياحية حققت نمواً كبيراً خلال السنوات الخمس الأخيرة وجاءت معدلات النمو فى عام 2009 هى الأكبر، نتيجة الوفورات المالية التى حققتها شركات التنمية السياحية نتيجة التدفق السياحى لمصر والذى تجاوز التدفقات المتحققة فى 2008 بنحو 20%.
أوضح ان متوسط عدد الغرف الفندقية التى تدخل الخدمة سنويا 10 آلاف غرفة تناقص بأكثر من 80% خلال العام الماضى، وذلك بعد الانتكاسة التى تعرضت لها حركة التدفقات الدولية إلى مصر.
وقال ان النقص الكبير فى عدد الوافدين إلى مصر خلال النصف الأول من العام الماضى خلق حالة من الهلع لدى المستثمرين السياحيين خاصة فى ظل اعتمادهم على عائداتهم السياحية فى تمويل مشروعاتهم، حيث لم يتجاوز عدد الوافدين 4.5 مليون مقابل 6.5 مليون خلال نفس المدة من عام 2010.
وأشار إلى أن غالبية شركات التنمية السياحية قامت بهيكلة مشروعاتها خلال الفترة المقبلة والاكتفاء بالمشروعات «الملحة»، والتى دخلت فيها بالفعل، وبالتالى لا يمكن التوقف عن الاستمرار فيها لما يترتب على التوقف من خسائر فادحة، مؤكدا أن مؤشرات أداء القطاع السياحى خلال النصف الاول من العام الجارى تذهب إلى أن مصر بدأت مشوار استعادة عافيتها السياحية.
وأكد ان الهيكلة التى قامت بها الشركات خلال الفترة الماضية تمثلت فى إعادة ترشيد نفقاتها وإرجاء بعض المشروعات لحين اتضاح الرؤية السياسية والتى تؤثر ايجابا وسلبا على حركة التوافد والتى ترتبط هى الاخرى بحجم الاستثمارات السياحية.
وقال الرئيس الأسبق لهيئة التنمية السياحية: إنه على الرغم من عمليات الارجاء الضخمة التى قامت بها شركات التنمية السياحية، إلا ان النمو السياحى الفندقى لن يتوقف لأن هناك 208 آلاف غرفة فندقية تحت الانشاء.
وأضاف أن توقف الأعمال الانشائية فى هذه المشروعات يعنى خسائر تزيد على 8 مليارات جنيه فى ظل ان 50% من هذه الطاقة كان يتوقع دخولها تحت التشغيل نهاية العام الماضى، لكن الظروف السياسية حالت دون دخولها.
وأوضح أن القطاع الخاص كان الفاعل الأول فى عمليات ضخ الاستثمارات السياحية حيث تجاوزت هذه الاستثمارات 5 مليارات جنيه خلال العام المالى الماضى، اقتصرت استثمارات الدولة فيها على 370 مليون جنيه.
وأكد راضى ان القطاع الخاص تأثر بشدة لحالة الخوف والهلع التى سيطرت على المستثمرين خاصة مع زيادة حالات سحب الأراضى والنقص الكبير فى معدلات التوافد خلال النصف الأول من العام الماضى. وقال إن عمليات سحب الأراضى من المستثمرين مثلت إلى جانب الاوضاع السياسية وعمليات الانفلات الامنى خلال نهاية العام الماضى خطورة كبيرة على درجة الثقة فى الاقتصاد المصرى وجاذبيته لدى المستثمرين الأجانب والعرب.
وأضاف ان الدولة تداركت النتيجة العكسية لعمليات سحب الاراضى على سمعة السوق المصرية وقامت بتحديد اطر وشروط خاصة بعمليات السحب متمثلة فى الالتزام بالجدول الزمنى لعمليات التنفيذ حتى لا تتحول الاراضى إلى سلعة.
وأشار إلى أن الدولة أعادت عمليات التقييم لأراضى بعض المشروعات السياحية وفقا للجنة تسعير هيئة التنمية السياحية خلال 2008، والتى يدخل ضمنها عدة معايير اهمها التشبع السياحى بالمنطقة ومساحة وحجم الاستثمارات بالمشروع.
وأكد أن الطلب على الاستثمار السياحى خلال الفترة المقبلة يتوقف على عدة عوامل أهمها الاستقرار السياسى والحوافز المقدمة من الدولة للمستثمرين ودرجة التوافد إلى مصر والتى ترتبط بالعامل الاول. وعن نوعية الحوافز التى يجب ان تقدمها الدولة للمستثمر السياحى خلال الفترة المقبلة، قال راضى: إن أكثر ما يؤرق السياحة عدم وجود بنى تحتية تخدم استثماراتهم، خاصة الموجودة فى مناطق نائية والتى تعانى الاهمال التام من قبل الدولة.
ووصف راضى الاستثمار السياحى بأنه «الحصان الأسود» الذى يستطيع صنع مجتمعات عمرانية جديدة خارج كتل الوادى الضيقة خاصة على الشريط الساحلى بالبحر الاحمر، موضحا انه على الرغم من وجود أكثر من 20 مركزاً سياحياً على ساحل البحر الأحمر فإن المجتمعات العمرانية التى خلقها مازالت دون الحد المطلوب.
وقال إن غالبية المراكز السياحية الموجودة لا يوجد بها تجمعات عمرانية خادمة للحركة السياحية لعدم توافر الخدمات، التى تساهم بدورها فى خلق «الإسكان السياحى» والذى يعد النمط الافضل لمصر اقتصاديا فى المستقبل.
ولفت إلى أن التوسع فى توفير الخدمات اللازمة لإقامة الإسكان السياحى يترتب عليه زيادة عدد مرات زيارة السائح لأكثر من 20 مرة فى العام الواحد بل يقترب من الاقامة الدائمة فى مصر حال توافر بعض الاعمال التى يستطيع ان يقوم بها خاصة ان مصر قريبة جدا من أوروبا.
وأكد أن عمليات الإرجاء للمشروعات السياحية ستعمل على ايجاد نمو كبير خلال العام المقبل خاصة ان غالبية الشركات أرجأت عملياتها خلال الفترة المقبلة متوقعا ان يترتب على عمليات النمو السياحى المتزايدة، إضافة أكثر من 40 ألف غرفة خلال عامين فقط.
وقال إن استقرار اسعار مواد البناء خاصة الاسمنت والحديد عند مستوى لا يتجاوز 500 جنيه لطن الأسمنت و5000 جنيه للحديد يزيد من رغبة المستثمرين فى استغلال هذا الاستقرار متى توافر الاست
قرار الامنى ونمت حركة التوافد السياحى لمصر.
وطالب راضى الدولة بألا تقتصر فى عمليات طرح الاراضى على الشركات الكبيرة خاصة المتعلقة بعمليات التنمية المتكاملة، وأن تحرص على إتاحة الأراضى لمشروعات التنمية المحدودة، مشيرا إلى أن الاستراتيجية الجديدة ينبغى أن تشمل طرح مساحات صغيرة للشباب وتمويلها عبر الصندوق الاجتماعى.
وأوضح ان هذا التصور كفيل بنقل حياة كاملة إلى المراكز السياحية الموجودة الآن على الشواطئ والتى تقتصر على فنادق ومنتجعات سياحية فقط مما يخلق مللاً للوافد لعدم قدرته على رؤية المزيد من المجتمع المصرى. وطالب رئيس هيئة التنمية السياحية الاسبق الدولة بأن تقر المزيد من الحوافز للاستثمار فى المناطق النائية، وهذا بدوره يستوجب أن تقوم هيئة الاستثمار بإعادة دراسة جميع القرارات الصادرة عنها بخصوص الاستثمار فى المناطق النائية خلال الفترة الجارية.
وأكد ضرورة تقييم المراكز السياحية ومدى نجاحها فى توافر الأنماط السياحية التى أضافتها خلال الفترات الماضية على أن يكون الأفضلية لطرح الأراضى للأنماط السياحية الجديدة ولا تقتصر على اقامة الفنادق فقط أو المنتجعات على شاطئ البحر.
وشدد على أن هيئة الاستثمار أصبحت مطالبة بالإسراع فى تحديد المناطق النائية وفقا للظروف الجديدة للحركة الاستثمارية التى شهدتها مصر خلال العشرين سنة الماضية، لأن عمليات التحديد تكفل المرونة فى عمليات الطرح.
وأوضح أنه حسب نوعية المنطقة التى يوجد بها الأراضى سيكون سعرها، وانه ينبغى ان تقسم المنطقة الواحدة إلى درجات متفاوتة إنمائياً ولا يجب أن يتم الاكتفاء بكونها نائية أو غير نائية.
وقال راضى إن هذا التحديد يعطى الدولة القدرة على مواصلة طرح المزيد من الأراضى ويعظم من ايراداتها بالمناطق التى فيها طلب على الاستثمار فى حين يعطى الدولة القدرة على توفير المزيد من الحوافز لبعض المناطق التى لا يوجد عليها إقبال استثمارى. وعن طرح الاراضى وفقا للمزايدة بالمظاريف المغلقة المقرر اتباعه فى هيئة التنمية السياحية مستقبلا، قال إن المستثمرين يتخوفون من ارتفاع اسعار الاراضى وتتحول الدولة إلى تاجر للاراضى، لذلك على الدولة أن تقدم تفسيرات لعمليات تقييم اسعار الاراضى المراد طرحها.
وحذر رئيس التنمية السياحية الاسبق من أن تطبيق نظام المزايدة بالمظاريف المغلقة على إطلاقه سيؤدى لنتائج عكسية على جاذبية الاستثمار السياحى خلال الفترات المقبلة . وقال راضى ان هروب الاستثمارات العربية المقدرة بنحو 50 مليار دولار من السوق المصرية، يعد خسارة فادحة، حيث تستثمر المملكة العربية السعودية 20 مليار دولار والإمارات العربية المتحدة 17 مليارا والكويت 11 مليارا وبقية الدول العربية أكثر من 7 مليارات دولار ولا بديل عن التحرك للحفاظ على هذه الاستثمارات.
وأوضح أن القطاع السياحى يعانى الأمرين فى علاقته بوحدات الجهاز المصرفى خاصة فى ظل الازمات، وذلك لعزوف البنوك عن توفير الائتمان للمشروعات السياحية، نتيجة وجود ثقافة لدى القطاع المصرفى بأن السياحة نشاط مرتفع الخطورة لارتباطه بظروف خارج حدود الدولة خاصة السياسية.