بقلم: جيدوين راتشمان
تبدو الاضطرابات التى أطاحت بالشرق الأوسط فى الآونة الأخيرة بمثابة هدية إلى منافس أوباما على الرئاسة، ميت رومينى، وبتلهف غير لائق فتح مرشح الحزب الجمهورى الهدية المقدمة له على طبق من ذهب ووجه اللوم إلى إدارة أوباما لتشجيعها التشدد الإسلامى، وأعلن شارليز كروثامر على قناة «فوكس» ان ما نراه اليوم على الساحة ما هو إلا انهيار لسياسة أوباما فى العالم الإسلامى.
مع قتل أحد سفراء الولايات المتحدة والهجوم المستمر على السفارات الأمريكية فى العالم الإسلامى، فهذا اتهام من السهل جدا توجيهه إلى أوباما، ولكنه خاطىء، فبدلا من ازدياد الامور سوءا، فان السياسات التى اتبعها باراك أوباما تعنى ان الولايات المتحدة فى موقف افضل يمكنها من التعامل مع المناهضين لأمريكا والتى باتت سمة من السياسات المتبعة فى الشرق الأوسط لعقود عديدة.
ويعتمد نقد الحزب المحافظ بشكل كبير على فقدان الذاكرة الانتقائى، فكانت حجتهم ان قبل انتخاب أوباما كانت الولايات المتحدة قوية وتنال احترام جميع دول الشرق الأوسط، ولكن هذا الرئيس الضعيف اعاد أمريكا إلى مكانتها الواهنة فى عهد جيمى كارتر عندما كان يؤخذ الدبلوماسيون الأمريكيون كرهائن فى إيران، ويتذكر الجمهوريون جيداً ان هذا الموقف المخزى ساهم بشكل كبير فى هزيمة كارتر فى الانتخابات الرئاسية عام 1980.
الا ان نقد «أوباما أو كارتر» تجاهل حقيقة ان غضب العرب والإسلاميين ضد أمريكا هو مصدر ازعاج دائم لكل رئيس أمريكى منذ عهد كارتر سواء كان الرئيس من الحزب الديمقراطى أو الجمهورى، ففى عام 1983 قتل 241 جندياً أمريكياً فى انفجار ثكنات المارينز ببيروت تحت حكم رونالد ريجان، كما أن أول هجوم للقاعدة على الأمريكيين كان أثناء ولاية كلينتون، ثم جاءت هجمات 11 سبتمبر المروعة وقرار جورج بوش غزو العراق الذى آثار غضب كل مناهضى أمريكا فى العالم الإسلامى. صحيح ان أوباما تولى مهام منصبه وهو يأمل فى انهاء النمط المظلم للعلاقة التى بين العرب وأمريكا، حيث القى أوباما خطابا فى القاهرة طالبا فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامى، وادعى منتقديه من الحزب الجمهورى ان أوباما قدم اعتذارا فى القاهرة بالنيابة عن الولايات المتحدة مما أظهر ضعف أمريكا الذى ندفع ثمنه الآن من قبل مظاهرات القاهرة، ولكن هذه الحجة ليست منطقية.
رغم أن سياسات أوباما لم تضع حدا لغضب الإسلاميين، الا انها جعلت احتواءها أمراً سهلاً، والأجدر بنا ان نقارن بين وضع الولايات المتحدة حاليا ووضعها بعد غزو العراق، أن مقتل كريستوفر ستيفن، سفير الولايات المتحدة فى ليبيا، أعاد إلى أذهاننا الهجوم الذى تعرضت له بعثة الأمم المتحدة فى بغداد عام 2003 الذى اسفر عن مقتل العديد من دبلوماسيى الأمم المتحدة، فقد كان الأمن فى كل من بنغازى وبغداد متراخياً جداً، وكان تنظيم القاعدة فى كلا الهجومين طرفاً، ولكن فى العراق، كانت هناك آلاف مؤلفة من القوات الأمريكية التى كان من السهل استهدافها وسط الفوضى المستشرية، كما انه لم تكن هناك حكومة شرعية منوط بها الحفاظ على النظام. بينما يعنى رفض أوباما اشراك القوات الأمريكية فى الهجوم ضد معمر القذافى ان الجنود الأمريكيين ليست لهم أهداف فى ليبيا والأهم من ذلك ان حفظ الأمن فى ذلك البلد من شأن الحكومة الليبية وليس الأمريكية. وكان هناك تذمر شديد حيال رد فعل أوباما على الثورة المصرية، حيث يشكو بعض الجمهوريين انه تحت إدارته ساهمت الولايات المتحدة فى الاطاحة باقدم حليف لها فى الشرق الأوسط لصالح إسلاميين مناهضين للغرب، ولكن مبارك كان بامكانه الحفاظ على سلطاته عن طريق قمع المظاهرات فى ميدان التحرير بوحشية، فهل كان يعتقد أحد ان أمريكا ستكون أكثر شعبية واحتراما فى الشرق الأوسط إذا كانت قد شجعت ذبح المتظاهرين المناصرين للديمقراطية فى مصر؟
ويعد القاء رومينى اللوم على أوباما فى الأزمة الحالية حتى ولو كجزء من التكتيك الانتخابى مناورة غريبة، وأمراً مضحكاً.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز






