رغم التراجع السريع للرئيس محمد مرسى عن القرارات التى أصدرها أمس بتعديلات واسعة على قوانين اقتصادية، لكنها أربكت الأسواق وأفزعت المواطنين، وتسببت فى ارتفاع أسعار بعض السلع بالفعل.
إلا أن الأثر الأكبر كان من نصيب ثقة المستثمرين ودوائر الاستثمار والمؤسسات الدولية، فى النظام المصرى الذى يتسم بالضعف والتردد وعدم إجراء الحوارات المجتمعية حول القرارات والقوانين قبل إصدارها ومدى قدرته على إجراء الإصلاحات المالية والهيكلية التى يحتاج إليها الاقتصاد المصرى للخروج من الوضع الصعب الذى يمر به حالياً.
وسريعاً.. أدرجت المعارضة قرارات الرئيس المجمدة فى مظاهرات اليوم التى ستحمل شعار «ضد الغلاء والاستفتاء».
وقال سياسيون إن الرئيس تراجع خشية تفاقم الغضب الشعبى من القرارات وإمكانية تأثيرها على عملية التصويت فى الاستفتاء وبما يرجح كفة المعارضة فى التصويت بـ«لا» على مشروع الدستور.
على الجانب الآخر، قال خالد علي، المحامى والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية، إنه رفع دعوى قضائية أمام مجلس الدولة ضد تعديل ضريبة المبيعات، وهى الدعوى التى لن يوقفها تجميد العمل بهذه القرارات، ورجح اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا فى نهاية المطاف.
واعتبر حزب التجمع تجميد العمل بالقرارات الاقتصادية التى أصدرها د. محمد مرسى بمثابة حقنة مهدئة لاحتواء الغضب الشعبي، كما توحى بالإفلاس الذى اقتربت منه البلاد، ومدى التخبط الحكومى وعدم إجراء الحوارات المجتمعية قبل إصدار مثل هذه القرارات المهمة.
ورأى د. حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، أن اتخاذ القرار وتجميده يوحى بتعدد الجهات المتدخلة فى صناعة القرار فى مصر.
قال الدكتور عبدالله شحاته، رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين «لسنا أوصياء على قرارات رئيس الجمهورية» وما تم مؤخراً من فرض ضرائب على الدخل والمبيعات ترفع الأسعار على المواطنين «غير مقبول».
أضاف فى تصريحات لـ«البورصة» أن الحزب يرفض أى أعباء إضافية على المواطنين فى الفترة الحالية خاصة فى ظل الوضع الاقتصادى المتأزم والتوتر السياسى الذى يشهده الشارع المصرى ما بين مؤيد ومعارض للدستور، موضحاً أن الحكومة مسئولة مسئولية كاملة عما حدث.
وأضاف أن الاستجابة لطلبات صندوق النقد الدولي، لا يجوز أن تأتى على حساب المواطن البسيط فالحكومة الحالية هى من وقعت مع الصندوق وتتحمل وحدها نتيجة التزاماتها لحين الانتهاء من الاستفتاء على الدستور ومن بعده انتخابات برلمانية ومعها لن تكون الحكومة الحالية موجودة.
ورداً على سؤال حول استشارة مسئولى حزب الحرية والعدالة الذى ينتمى إليه رئيس الجمهورية عن تلك القرارات قال شحاته «نرفض تلك القرارات وشغلنا الشاغل حاليا هو الاستفتاء على الدستور».
من جانبه، وصف نادر بكار المتحدث باسم حزب النور السلفي، سرعة التراجع عن القرارات الاقتصادية التى أعلنها رئيس الجمهورية بأنها تعكس خللاً واضحاً فى عملية اتخاذ القرار السياسي، خاصة أنها كانت تحتاج إجراء حوار مجتمعى قبل إصدارها.
ورغم سرعة تراجع الرئاسة عن القرارات التى تم الاتفاق عليها مع بعثة صندوق النقد الدولى فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى والهيكلى الذى وافق عليه لإقراض مصر 4.8 مليار دولار، إلا أن د. فخرى الفقي، مساعد المدير التنفيذى الأسبق بصندوق النقد الدولى توقع أن يوافق الصندوق على القرض المصري، فى ظل هيمنة الدول الخمس الكبرى على قراراته ونسب التصويت.
أضاف أن الحكومة ستكون ملزمة بتقديم تفسيرات للصندوق عن أسباب التراجع السريع فى هذه القرارات، ليقوم بتقييمها.
ورأى الفقى أن وصول أثر هذه القرارات إلى المستهلكين هو أسوأ ما فى القرارات التى أصدرتها رئاسة الجمهورية، ومن شأنها أن تخلق ضغوطاً تضخمية فى المجتمع.
واعتبر الدكتور حازم الببلاوي، وزير المالية السابق، صدور هذه القرارات بمثابة مؤشر خطير على مدى صعوبة الوضع والعجز الشديد فى الميزانية العامة للدولة، ووصوله إلى معدلات حرجة تهدد الكيان الاقتصادى ومستقبل الدولة.
وأشار الببلاوى إلى أن صدور القرارات وإلغاءها بعد ساعات قليلة يعبر عن غياب التنسيق بين الوزارات المعنية ورئاسة الوزراء والرئاسة، مما تسبب فى هذا التخبط.
وأضاف وزير المالية السابق أن الأجهزة المعنية فشلت فى توضيح صعوبة الوضع الاقتصادى الذى تمر به البلاد للمواطنين، والذى يتطلب تكاتف الجميع للخروج من منطقة الخطر وانقاذ الاقتصاد الوطني.
وحذر الببلاوى من قيام ثورة جديدة لا يمكن توقع مداها إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية على حالها، وواصل الغلاء التهام الرواتب الضعيفة.
قال محمد شكري، رئيس غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات إن هذه القرارات الاقتصادية المهمة لم يتم إطلاع اتحاد الصناعات عليها أو التحاور معه حولها، مما أدى لعدم حساب الآثار الجسيمة التى تترتب عليها وبالتالى التراجع السريع عنها.
أضاف أن وزير المالية تجاهل فشل الدولة فى الرقابة على الأسواق، لعدم امتلاكها أجهزة رقابية فاعلة يمكنها ضبط الأسعار، وتوقع أن تزيد الأسعار بشكل جنونى وسط جشع التجار وتكالب المستهلكين على الشراء.
من جانبه، قال علاء السقطي، رئيس جمعية مستثمرى بدر وعضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، إن تراجع الرئاسة سريعاً عن هذه القرارات غير المدروسة منع إضراباً عن العمل كان يلوح فى الأفق للمطالبة بزيادة الرواتب بما يتناسب مع هذه الزيادات فى أسعار السلع والمنتجات، خاصة أن المستهلك النهائى كان سيتحمل وحده آثارها السلبية.
وأعرب أيمن عيسي، رئيس مجلس الأعمال الأثيوبي، من اتجاه الدولة لفرض هذه الضرائب بشكل مبالغ فيه، فى حين أنها مطالبة بمنح وحوافز وإعفاءات ضريبية لجذب الاستثمارات فى ظل صعوبة الوضع المصرى وتنافس دول المنطقة على جذب الاستثمارات.
وقال أحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، إن الحكومة الحالية تعمل دون رؤية حقيقية للاقتصاد، وهناك عدم شفافية فى إصدار القرارات، الأمر الذى يجعلها تبدو كالذى يعمل فى الظلام.
وأشار إلى أن الحكومة يمكن أن يكون لديها مبررات لاتخاذ قرار زيادة ضريبة المبيعات على مجموعة من السلع بسبب الضغوط التى تتعرض لها الحكومة مثل عجز الموازنة وجهات التمويل الدولية، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار السياسى والأمنى والتى تؤدى إلى هروب الاستثمارات المحلية والأجنبية وصعوبة جذب مستثمرين جدد.
وقال إن التوقيت الذى صدر فيه القرار غير مناسب ويزيد الأعباء على المواطنين ويؤدى إلى هروب المزيد من المستثمرين، وكان يجب تأهيل الرأى العام لمثل هذا القرار قبل صدوره والانتظار لحين استقرار الأوضاع السياسية والأمنية.
وقال جلال عمران، نائب رئيس شعبة المواد الغذائية بغرفة القاهرة التجارية إن السرعة فى التراجع عن قرار زيادة ضرائب المبيعات على مجموعة من السلع والخدمات أنقذ السوق من عمليات تخزين واسعة سواء من قبل التجار أو المستهلكين وتأثير القرار كان محدوداً، لأنه لم يستمر سوى ساعات قليلة ولم يتمكن أحد من التخزين.
قال عبدالعزيز قاسم، عضو الشعبة العامة لمواد البناء والتشييد بالاتحاد العام للغرف التجارية إن زيادة ضريبة المبيعات على الحديد والأسمنت بواقع %11 فى الوقت الراهن كاد يرفع أسعار مواد البناء إلى أعلى معدلاتها، خاصة بعد زيادة أسعار الكهرباء والسولار على المصانع.
ورصد تجار زيادة أسعار المبيدات إلى 3 آلاف جنيه وعودة السوق السوداء، ولاحظوا اتجاهاً لتخزينها لبيعها بما يزيد على 3200 جنيه قبل أن يصدر قرار التجميد.
كتب ـ عمر عبد الحميد ومحمد عياد ومصطفى صلاح ووفاء عبد البارى وأحمد سلامة