«اللبان» أحد أقدم أحياء مدينة الاسكندرية والذى شهد جرائم ريا وسكينة يتندر قاطنوه بأنه وحتى الآن يشهد مقتل السكان تحت انقاض منازل عمرها يسبق عمر السفاحتين قاتلتى النساء ولكن العقارات المتداعية لا تفرق بين ذكور وإناث ولا شيوخ أو أطفال، فالكل تحت الركام سواء.
تسكن الأرواح فى هذا الحى عقارات مائلة لا تحتاج قياسات هندسية فالنظر بالعين المجردة يكفى لأن ترى درجة ميل العقار على الذى يليه، فضلاً عن التهالك الواضح للعيان الذى يهدد حياة الساكنين فيه.
يقف الأسطى طارق الشناوى أمام ورشة السمكرة الصغيرة التى يعمل بها والكائنة فى شارع «الغرابي» بحى اللبان، وبمجرد ان تعرف على هويتنا قال: قولهم طارق عايز شقة قبل البيت ما يقع، فى المنزل الذى يستأجر إحدى وحداته مكون من طابق أرضى ودورين منذ 60 عاماً استأجر والده الشقة ويدفع هو ـ حالياً ـ 30 جنيهاً فى الشهر.
طارق يؤكد أن المنزل المجاور له تم هدمه ليقام على أرضه عقار حديث الطراز مكون من 12 دوراً فى شارع لا يتجاوز عرضه 6 أمتار، وهذا ما ترتب عليه إحداث تصدعات فى المنزل القديم الذى يقطن به، وعندما تقدم بشكوى إلى مسئولى الحى قالوا إنهم غير قادرين على منع المخالفات.
امتلاك طارق الشناوى لشقة فى منزل متهالك يحرمه من الحصول على شقة من المحافظة، وفى ذات الوقت يسعى صاحب المنزل لطردهم من المنزل لأنه معرض للانهيار ومن ثم فإنه يرغب فى هدمه وإعادة بنائه، لكن قاطنى العقار يفضلون الموت تحت الانقاض على الحياة فى الشارع.
إمكانيات طارق المادية لا تكفيه ليوفر ثمن متر الأرض الذى وصل إلى 7 آلاف جنيه فى بعض مناطق اللبان، أو ان يشترى شقة يصل سعر المتر فيها إلى 2500 جنيه وان يقوم باستئجار شقة بنظام جديد مقابل 800 جنيه شهرياً.
ويجلس الحاج محمد عبدالجليل أمام منزله الكائن فى شارع البهاء زهير باللبان متأملاً بحسرة فى الشروخ التى تمتد بطول المنزل ويبدى خوفه المستمر من ان تسقط شرفة المنزل المتصدعة والتى اضطر سكان العقار إلى تدعيمها بعروق خشبية ومنع الوقوف بداخلها حتى لا تنهار.
لم تقلل كل هذه المخاطر من تمسك الحاج محمد بالسكن فى هذا المنزل الذى يعيش فيه منذ عام 1960 لأنه يدفع ايجاراً شهرياً 25 جنيها فقط، علما بأنه يعيش بمفرده بعد ان هجر سكان الطابقين الثانى والثالث المنزل خوفاً على حياتهم، لكنه لا يملك أموالاً كافية لتأجير منزل آخر، لأنه يعيش على معاش الضمان الاجتماعى بعد ان فقد إحدى ساقيه، واصبح غير قادر على العمل فى مجال المعمار.
يقول، إن المنزل صدر له قرار إزالة منذ عام 1998 وحتى الآن يرفض مالكه إزالته بحجة عدم وجود مشتر للأرض وعدم قدرته على هدمه وإعادة بنائه بعد أن أقام دعاوى قضائية ضد السكان لطردهم وإقاموا هم قضايا أخرى لاثبات حقهم فى المنزل.
الكهل الذى يقطن المنزل المتصدع مع اسرته الصغيرة يطلب من الدولة توفير مسكن له يؤويه ويحميه مع زوجته وابنتيه من النوم فى الشارع عند الانهيار المرتقب للمنزل المتداعي، مؤكداً انه يقرأ الفاتحة ويردد الشهادتين قبل النوم ترقبا لانهيار المنزل.
يقدر على محمود الذى يسكن بشارع الحاج نظير بحى اللبان عمر منزله بأكثر من مائة عام، ويقول إنه يسكن فى هذا المنزل منذ عشرات السنين وانه يستأجر شقة يدفع لها الآن ايجاراً شهرياً 20 جنيها فقط، وينتظر ان ينهار المنزل فى أى وقت بسبب التصداعات الكثيرة المنتشرة فى جدرانه بسبب العمارات العالية، التى احاطت بمنازل المنطقة بارتفاعات كبيرة دون اساسات مناسبة.
ويقول ان صاحب المنزل عرض عليهم الحصول على 5 آلاف جنيه لكل مستأجر، لكنهم رفضوا لأن المبلغ لا يكفى لايجار وحدة سكنية لمدة 6 أشهر متتالية بعد ارتفاع سعر الأرض إلى 5 آلاف جنيه للمتر و2000 جنيه لمتر المباني.
ويطالب محمد حسن، المهندس المعمارى الذى يقطن أيضاً حى اللبان الدولة بتوفير وحدات سكنية لجميع قاطنى المنازل القديمة لأنه من المؤكد سوف يستمر مسلسل انهيار العقارات فى الاسكندرية طالما تجاهل المسئولون الواقع السيئ لمنشآت المدينة، وتابع ان هناك عدداً كبيراً من المعوقات يضعها مسئولو الاحياء أمام السكان مقابل حصولهم على وحدة منها أن يكون البيت متصدعاً وشبه منهار وتصعب الإقامة به بجانب ان الوحدات التى تقدمها المحافظة تقع فى الصحراء على طريق العامرية بعيداً عن أماكن عمل المضارين، ولا تتوافر بها مقومات الحياة متهما المسئولين بالكذب فيما يخص منح المضارين تعويضات أو وحدات بديلة.
ويوضح المهندس محمد حسن ان أسعار العقارات ارتفعت بصورة كبيرة فى هذه الاحياء رغم اعتبارها عشوائية بسبب إقامة مبانٍ بدون ترخيص تضم عدداً كبيراً من الوحدات، ما أدى إلى وصول سعر متر الأرض فى بعض المناطق إلى 7 آلاف جنيه ومتر المبانى إلى 3 آلاف، لذا يرفض ملاك العقارات ترميمها ويتركوها تنهار على السكان، أملاً فى بيع الأرض أو تطويرها عقارياً والاستفادة من مقابل بيع الوحدات الجديدة.
خاص البورصة
