أكد رؤساء جمعيات المستثمرين ان إحجام البنوك عن تمويل المشروعات الصناعية الجديدة أو القائمة ورفع سقف الضمانات المطلوبة للإقراض، فضلاً عن أن المغالاة الشديدة فى أسعار الفائدة تزيد الأعباء على كاهل الصناعة فى هذه المرحلة الحرجة.
أشار رؤساء الجمعيات إلى ضرورة تبنى البنوك سياسات استثنائية فى هذه المرحلة تضمن التوسع فى الاستثمار الوطنى فى ظل إحجام الاستثمار الأجنبى عن الدخول إلى مصر حالياً.
فى المقابل، نفى قيادات البنوك هذا التعنت، ووصفوا الوضع الحالى بأنه استثنائى وبالتالى لا يجب أن تقوم البنوك بالمضاربة بأموال المودعين فى مشروعات لا يمكن ضمان استمرارها، بالإضافة إلى أن دراسات الجدوى، التى يقدمها المصنعون تكون ضعيفة فى غالبية الأحوال، وهو ما يؤدى إلى رفض طلب التمويل.
قال المهندس أبوالعلا أبوالنجا، أمين عام اتحاد جمعيات المستثمرين إن البنوك تتعامل فقط مع المستثمر الجاد وتنأى بنفسها عن العمل فى مشروعات غير جادة قد تتزايد فيها نسبة المخاطرة.
أضاف انه لا يمكن القول بوجود إحجام من قبل البنوك بقدر الخوف السائد بين المستثمرين من التوسع وإقامة مشروعات خلال الفترة الحالية، وان المستثمرين يخشون فتح أعمال جديدة فى ظل تراجع معدلات الإنتاج واتجاه البعض إنهاء أعمالهم وتسريح العمالة.
أوضح أبوالنجا أن اقدام المستثمرين على تدشين مشروعات أو توسعات جديدة مرهون باستقرار الأجواء السياسية التى تنعكس على الواقع الاستثمارى بطبيعة الحال، وانه ليس ضد التوسع فى أدوات الصيرفة الإسلامية طالما أنها لن تنتقص من المزايا التى تقدمها برامج التمويل التقليدية، لأنه من الممكن أن تسهم هذه الأدوات الجديدة فى انعاش سوق التمويل.
أكد ان تزايد أعداد المصانع المتعثرة الفترة الأخيرة، لا يعود إلى عوائق تمويلية فقط بينما هناك عوامل فشل الإدارة وأخرى متعلقة بعدم القدرة على تسويق المنتجات المصنعة.
أشار أمين عام اتحاد المستثمرين إلى ان المصانع المتوقفة عن العمل لنقص التمويل، تحتاج إلى جهود حكومية لإخراجها من عثرتها عن طريق قيام الحكومة بتكليف بنوك القطاع العام بدراسة ملفات هذه المصانع والبحث فى أسباب تعثرها، وفى حالة وجود مديونيات مستحقة على هذه المشروعات للبنوك يجب إعادة جدولتها.
قال عادل رحومة، رئيس لجنة العلاقات الدولية باتحاد المستثمرين ان البنوك العاملة فى السوق المصرية تحجم بشكل ملحوظ عن تمويل المشروعات الصناعية جراء حالة التخبط السياسى التى تشهدها الساحة المصرية.
أضاف ان البنوك رفعت سقف الضمانات المطلوبة من المصانع للحصول على تسهيلات ائتمانية جديدة تخوفاً من تعثرات جديدة لأعمال صناعية قد تشهدها السوق المصرية بسبب الموقف السياسى والاقتصادى المتأزم.
أشار رحومة إلى أن المشهد الاقتصادى الحالى ومكوناته من تراجع معدلات الإنتاج وحالة الركود السائدة، التى تشهدها الأسواق تدفع البنوك للتفكير بحذر فى منح القروض والتمويلات للمشروعات المختلفة.
لفت إلى ان المصانع المتعثرة تحتاج لتمويلات بنكية لإعادة بعثها من جديد، لكن ذلك لن يتم إلا فى ظل مناخ سياسى مستقر وبيئة اقتصادية تساهم فى زيادة الحركة التجارية وتصريف منتجات المصانع.
أوضح هشام جزر، رئيس المجلس التصديرى للجلود ورئيس جمعية مستثمرى قويسنا، ان البنوك ليست محجمة عن تمويل المصانع بقدر حساسيتها المفرطة تجاه المشروعات التى تعجز عن تحقيق أرباح فى مدى قصير أو غير مضمونة من الناحية النظرية.
أشار إلى ان حالة عدم الاستقرار التى تشهدها مصر حالياً بسبب الاعتصامات والمظاهرات المؤيدة والمعارضة ضد الحكومة تدفع البنوك إلى حصر القروض التمويلية فى المشروعات الاستثمارية التى تثبت جديتها.
ذكر ان البنوك تمول فقط من تطمئن له، لأنها فى النهاية تستثمر أموال ودائع العملاء لديها وتأمل من وراء ذلك ليس فقط الحفاظ على أموال المودعين بل تحقيق مكاسب من وراء عملية الإقراض والإيداع.
وقال جزر ان البنوك تمنح بالفعل تمويلاً للشركات الناجحة وبخاصة شركات التصدير لأن تعاملها يكون مع السوق الخارجى بخلاف الشركات المحلية التى تتأثر بالأوضاع الداخلية.
أوضح الدكتور محمد خميس شعبان، عضو مجلس إدارة جمعية مستثمرى أكتوبر ورئيس إحدى الشركات المتخصصة فى مجال توليد الكهرباء ان هناك عدداً من العوامل أدى إلى مخاوف البنوك من تمويل القطاع الصناعى فى الوقت الراهن أهمها عدم الاستقرار وضبابية المشهد العام فى مصر.
قال شعبان إن القطاع البنكى يعتمد فى تمويل مثل هذه المشروعات على كمية الودائع لديها وغالبية المصارف تعانى انخفاضاً ملحوظاً فى الفترة الأخيرة فى الودائع والسيولة.
استشهد بالأنباء التى ترددت مؤخراً عن استقالة محافظ البنك المركزى فاروق العقدة، وان العقدة كان مطلوباً منه تمويل أذون خزانة إلا انه لم يستطع السماح بذلك لانخفاض نسبة الودائع التى سببت أزمة سيولة لدى البنوك.
أشار إلى ان مناخ الاستثمار بمصر حالياً ترتفع به نسبة المخاطر المحتملة، فالبنوك تخشى من جانبها الإقدام على خطوة التمويل بإسراف تحسباً لاحتمال نشوب تطورات تزيد الوضع الاقتصادى سوءاً.
لفت إلى ان البنوك تضع فى اعتبارها العدد الكبير للمصانع المتعثرة فى الفترة الأخيرة وان بعض المصانع أوقف عمله تماماً مثل المصانع التى تنتج السلع الكمالية.
ذكر ان البنوك فى حال استقرار الأوضاع السياسية سيقع عليها بالتعاون مع الحكومة عبء تمويل المشروعات المتعثرة خاصة ان نسبة كبيرة من المصانع المتوقفة جاءت نتيجة ضعف الإمكانات المالية.
وعن قضية التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية الذى تتجه إليه بعض البنوك العاملة فى مصر، أكد خميس أن المستثمرين لا يعنيهم أن يكون التمويل تابعاً لأى نظام، المهم الحصول على التمويل، وأن التمويل سواء تقليدياً أو إسلامياً يستوجب دفع فائدة عليه فى حالة تحقيق ربح أو خسارة على السواء.
لفت إلى ان البنوك المسماة «إسلامية» لا تتعامل وفقاً للشريعة الإسلامية كما تردد لأنها تحصل على فائدة ولا تتحمل خسارة العميل فى حال وقوعها، وأن الأصل فى المعاملات الإسلامية أن يكون الممول شريكاً فى الخسارة مثلما يجنى ثمار الأرباح.
قال يحيى زنانيرى، رئيس جمعية منتجى الملابس الجاهزة، إن البنوك متقاعسة عن تمويل المشروعات وبخاصة مشروعات الغزل والنسيج، نظراً لوجود نقص حقيقى فى السيولة لدى البنوك التى تتخوف من تقديم ائتمانات للمصانع التى تحقق خسائر.
أضاف ان البنوك تفضل الاستثمار فى أدوات الدين الحكومية وغيرها من برامج الاستثمار الآمنة بدلاً من المخاطرة بإعطاء تمويلات للمصانع فى ظل وضع اقتصادى يتسم بالضبابية وان البنوك قبل الإقدام على إجراء عمليات الائتمان تقوم بعمل دراسات جدوى للمشروعات التى ستمولها لتحديد وضعها الائتمانى وبناءً عليه تمنح الائتمان.
ذكر زنانيرى ان البنوك تراقب عن كثب المشهد السياسى المصرى ومدى قابليته لضخ تمويلات جديدة للسوق من عدمه، وأن الوضع السياسى غير المستقر يؤثر فى الموقف الاقتصادى خاصة بعد تواتر أنباء عن إلغاء قرض صندوق النقد الدولى الذى عول عليه كثير من المستثمرين ورجال الأعمال والبنوك أيضاً فى استعادة الاقتصاد عافيته.
من جانبه، أوضح محمد المرشدى، رئيس جمعيات مستثمرى العبور ان الأوضاع السياسية والاضطرابات لم تظهر كل تداعياتها على الاقتصاد بعد، وأنه فى حالة استمرار التظاهرات وعدم الاستقرار فإن ذلك قد يؤدى على المدى البعيد إلى تخوف البنوك من تمويل المشاريع لعدم ضمان نجاحها.
أشار إلى ان أهم مطلب الآن هو استقرار الأوضاع لضمان استمرار جذب المستثمرين لأنه دون استقرار لا يمكن أبداً أن تكون هناك استثمارات حقيقية.
وفى نفس السياق، أوضح سيد البرهمتوشى، نائب رئيس جمعية مستثمرى العاشر ان هناك إحجاماً من البنوك فى تمويل المشاريع خاصة فى قطاع الغزل والنسيج، حيث لم تقم البنوك بتمويل مشاريع فى هذا المجال منذ ما يقرب من 5 سنوات بسبب تخوف البنوك من ركود المنتج المحلى بسبب إغراق السوق بالمنتجات المهربة.
أرجع تخوف البنوك من تمويل الصناعات الأخرى إلى عدم الاستقرار فى الشارع المصرى الأمر الذى قد يؤدى لفشل المشاريع وضياع أموال البنوك، مشيراً إلى انه بالنسبة للضمانات المطلوبة من البنوك، التى قد تكون مشددة فى بعض الأحيان، وأن هذا أمر طبيعى فى ظل الأوضاع المضطربة الآن لضمان استرداد أموالها.
قال محمد القليوبى، رئيس جمعية مستثمرى المحلة انه لا يوجد إحجام من البنوك بالمعنى الفعلى، وان ما يجرى هو التشدد فى الضمانات التى تشترطها البنوك لتمويل المشاريع، التى تسبب أزمة حقيقية للصناع والمستثمرين.
أضاف انه على الرغم من أن البنوك محقة فى الحصول على هذه الضمانات، نظراً للتغيرات العالمية وعدم الاستقرار الداخلى والخارجى إلا ان ذلك قد يتسبب فى إخراج المصانع من سوق المنافسة العالمية. فى حين أكد سيد القصير، رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية ان البنوك لا يمكن أن تحجم عن تمويل مشاريع أو مستثمرين لهم دراسة جدوى وجدارة ائتمانية، لأن البنوك تتهافت على هذه المشروعات.
لفت إلى انه لم يسبق لبنك التنمية الصناعية ان رفض مشاريع تتوافر فيها مقومات النجاح، وان الفيصل فى قبول البنك لتمويل المشاريع أو رفضها هو دراسة الجدوى التى يحدد فيها مكسب المشروع وخسارته ونسبة الخطر.
أوضح القصير ان تجربة تعثر عدد كبير من المصانع وعدم قدرتها على سداد القروض دفعت البنوك إلى الحرص على التأكد من الجدية ومقومات النجاح فى المشروعات التى تقوم على إقراضها، بالإضافة إلى ضرورة وجود إقبال على السلعة التى يصنعها وفى هذه الحالة يقوم البنك بتقديم التسهيلات اللازمة والتى قد تصل إلى إعفائه من جزء من القرض أو إسقاطه بالكامل.
أوضح تامر صادق، مسئول تمويل شركات ببنك مصر ان البنوك غير محجمة عن تمويل المشاريع وان الصورة دائماً مقلوبة وتصور البنوك بأنها التى ترفض تمويل المشاريع وأن الحقيقة أن البنوك لا ترفض تمويل أى مشاريع لها دراسة جدوى واضحة تحتوى خطة التوسعات ونسبة المخاطر وتأثير الأوضاع فى الشارع على المشروع، ولكن من غير المنطقى إلقاء كل اللوم على البنوك.
أشار إلى ان المشكلة الحقيقية تكمن فى أن المستثمرين يتخوفون من ضخ استثمارات فى السوق ولذلك يفكرون كثيراً قبل إقامة أى مشروع نتيجة الأوضاع غير المستقرة، وهذا ما يترتب عليه انكماش واضح فى الأسواق وانه فى ظل هذه الظروف فإن هذه الظروف البنوك تقدر أوضاع الصناع والمستثمرين وتقف بجوار المتعثرين، لأنهم يعلمون أن هذه الأوضاع مؤقتة.
ونفى كل ما يثار بخصوص تشدد البنوك فى ظل الضمانات لاتاحة التمويل، مؤكداً ان الضمان دائماً يكون على قدر المبلغ المطلوب لتمويل المشروع، وكلما زادت المخاطر زادت الضمانات. أما عن الاتجاه للتمويل الإسلامى، فأوضح صادق ان هذا توجه موجود من فترة طويلة وبالنسبة لبنك مصر فلديه هيئة شريعة خاصة به، وتمت إعادة هيكلته منذ فترة وتزامنت إعادة الهيكلة مع ظهور تيارات الإسلام السياسى على الساحة بعد الثورة، وهناك الكثير من المستثمرين يفضلون هذا النوع من التمويل.
كتب – أحمد سلامة وأحمد العادلى ومروة مفرح