بقلم: آرون دايفيد ميلر
من وراء ضياع سوريا؟ تشير بعض تعليقات أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى إلى أن سياسة بشار الأسد فى سفك الدماء المسئول الرئيسى، ولكن المأساة السورية هى ـ دائماً ـ نتيجة الفشل الذريع فى القيادة من جانب المجتمع الدولى، خاصة الولايات المتحدة، حيث اتهم الرئيس الأمريكى باراك أوباما بأنه حول سوريا إلى رواندا الجديدة، ولكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.
فكرة أن أحداً مسئول عن نجاة سوريا أو انهيارها أو أن الولايات المتحدة تستطيع تحديد ملامح نتيجة النزاع ما هى إلا تحليل خاطئ اكتسبته واشنطن على مر السنين وزج بها إلى بحر اضطرابات الشرق الأوسط.
يطالب البعض بالتدخل العسكرى فى سوريا على غرار ليبيا، مثلما ساعدت الدول الغربية الثوار للإطاحة بمعمر القذافى، فلم تفعل الشىء نفسه فى سوريا.
هناك ثلاث حقائق متداخلة للإجابة عن هذا السؤال، أولاً: كان هناك إجماع دولى على التدخل العسكرى فى ليبيا، خاصة من الأمم المتحدة وحلف الناتو، ثانياً: ليبيا كانت تفتقر إلى القوة العسكرية، حيث كان النظام ضعيفاً ولم يكن هناك دفاع جوى قوى أو أسلحة دمار شامل، كما أنه لم يكن لديها حلفاء، فضلاً عن ذلك فقد كان للثوار الليبيين جبهة منفصلة، وهو ما ساهم فى تنظيم صفوفهم.
ولكن سوريا تختلف عن ليبيا جذرياً، حيث إنها تجمع بين أسوأ ثلاثة اتجاهات وهى الحرب الأهلية، العنف الطائفى؛ تأثيرات القوى الخارجية والجدل بأن الولايات المتحدة المسئولة عن هذه الفوضى كان من الممكن أن يكون منطقياً إذا كانت هناك خيارات جيدة للتوسط فى وقت سابق لتجنب هذا المصير.
كان حقاً بإمكاننا القيام بالمزيد تجاه سوريا على الصعيد الإنسانى وتقلد دور أكثر حيوية فى وقت مبكر للمساهمة فى تنظيم معارضة سياسية حتى لو كان فى الخفاء، ولكن منذ اندلاع الصراع أوائل 2011، كانت جميع الخيارات العسكرية للتدخل تميل إلى المخاطر أكثر من المكاسب، نظراً للقوة النارية لنظام الأسد وحلفائه، مثل روسيا والصين ودورها المعروف فى الأمم المتحدة التى تمد النظام الحاكم بالأموال والأسلحة، فى ظل هذه الأوضاع قرار الأسد أن يفعل أى شىء حتى ينجح فى حماية جيشه العلوى وقوات الأمن والمخابرات، كل ذلك لم يجعل أياً من الخيارات العسكرية منطقية بالقدر الكافى الذى يطيح بنظام الأسد أو يحقق الانتصار للثوار.
تكمن مأساة سوريا فى إراقة الكثير من الدماء حتى إنه بات من المستحيل أن نتصور التوصل إلى تسوية عن طريق المفاوضات بين النظام والمعارضة، ولكن كل هذه الأحوال لم تكن كافية لتدفع مجتمعاً دولياً منقسماً للتدخل.
نحن لن نعرف ما النتائج التى كان من الممكن أن تترتب على تدخل الولايات المتحدة بشكل أكثر عدوانية، ولكن إلقاء اللوم فى هذه الأزمة على واشنطن أو اتهام إدارة أوباما بأنها زادتها سوءاً يشير إلى الفشل فى إدراك الطبيعة القاسية للمأساة السورية وحدود قوة الولايات المتحدة وأولوياتنا القومية، فأمريكا خرجت منذ فترة قصيرة من أطول حربين فى تاريخها، حيث إنه لم يكن مقياس النصر فيهما، بل كان السؤال الذى يردده الشعب «متى سنتمكن من الرحيل»؟
وأشار استطلاع للرأى حول آفاق التدخل فى سوريا إلى أن الشعب الأمريكى على دراية بهذه الحقيقة حتى لوكان هؤلاء الذين ينادون بالتدخل الأمريكى لم يدركوها بعد، لا ينبغى أن تكون الولايات المتحدة مكلفة بإصلاح أى اضطرابات، فنحن لا نتحكم فى التاريخ، وقد حان الوقت لإصلاح منزلنا المنهار بدلاً من الانشغال بأحوال العالم فى محاولة لإصلاح منازل أخرى.
إعداد: ايثار شلبى
المصدر ـ واشنطن بوست








