بقلم: هانى شكر الله
مما لا شك فيه أن الثورة المصرية قد أصبحت أكثر عنفاً وقتامةً عن أيامها الأولى التى كانت غامرة بالنشوة، بالرغم من نبل هدفها، فقد أثبتت أنها غير قادرة على تحقيق المهام الثقيلة التى وضعها التاريخ على كاهلها، فقد توقفت الثورة واختُطِفت أول مرة من قبل الجيش فى عدم ارتياحه بالتعاون مع الاخوان المسلمين ثم من قبل الاخوان فى عدم ارتياحهم بالتعاون مع الجيش.
ما يبدو وكأنه مجرد فوضى هو فى الواقع نتيجة طبيعية لثورة لم تتحقق بعد مطالبها الاساسية، فنظام حسنى مبارك مازال على قيد الحياة ولكن تحت مسمى آخر والفرق الوحيد بينهما هو اللحية التى تميز ممثلى النظام الجديد، ومرة أخرى يسعى حزب سياسى واحد لممارسة الهيمنة دون منافس على الدولة والمجتمع، فلم يبق النظام الجديد فى مصر على القوانين المثقلة بالتشريعيات القمعية فقط بل حافظ أيضا على هياكل الحكم الاستبدادى الذى أقامه سابقوه.
فبعد عامين من الثورة على دولة مبارك البوليسية، لم يتم اتخاذ خطوة واحدة لاصلاح جهاز الشرطة المكروه من قبل المصريين والذى استخدم قانون الطوارئ خلال الثلاثين عاما دون انقطاع فى إدارة أعمال الشغب، والان تعمل الشرطة وكأنها ميليشيات خارجة على القانون تتغذى على التعذيب والقتل وتلفيق التهم واحتجاز الأشخاص دون محاكمة.
وأثبت الدستور الجديد أيضا الذى وضعه الاخوان المسلمون وحلفاؤهم من السلفيين وحدهم أنه أكثر استبدادية من دستور 1971 الذى عزز به مبارك حكمه.
باتت حرية التعبير وحرية الاحتجاج السلمى تحت هجوم منسق من قبل النظام الجديد، فبدلا من قيام الاخوان المسلمين بضمان استقلال اعلام الدولة، سعوا لجعل هذا الكيان تحت سيطرتهم والحفاظ عليه بل واتساع خضوعه للحاكم وافتقاره التام تقريبا للاحترافية، كما قام الاخوان بترهيب وقمع الاعلام الخاص حيث قام حلفاؤهم السلفيون بحصار مدينة الإنتاج الاعلامى مطالبين بتطهير الاعلام، فى حين أن الحكومة أقامت عدداً من الدعاوى القضائية ضد منتقدى الرئيس فى وسائل الاعلام وأبرزهم الساخر الليبرالى باسم يوسف أو كما يطلق عليه جون ستيوارت مصر.
حتى إن سماح الاخوان المسلمين باقامة انتخابات حرة والتى تعد السبب الوحيد وراء ادعائهم الحكم الديمقراطى أصبح يقابل الان تحديات مختلفة، حيث تم تشويه الاستفتاء على الدستور بوقائع مختلفة مسجلة من تزوير الانتخابات ومنها منع الناخبين الذى من المحتمل ان يصوتوا بـ «لا» من الدخول إلى مراكز الانتخاب.
حقيقة أن الانتخابات الوحيدة الحرة نسبيا التى لم تشهدها مصر منذ عقود هى تلك التى انعقدت فى ظل حكم المجلس العسكرى لم تعد أمراً ساخراً.
بعد عامين من الثورة التى طالبت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وجد المصريون أنفسهم تحت حكم نظام جذوره عميقة فى التمييز الطبقى ومستمر فى اتباع نفس السياسات الاقتصادية والاجتماعية التى تتحيز للأغنياء على حساب الفقراء، حيث إن قادة الاخوان المسلمين بمن فيهم الرئيس مستمرون فى تجاهلهم لمطالب فرض ضرائب تصاعدية وحد أدنى عادل للأجور والحاجة إلى اصلاح شامل للنظام البيروقراطى الذى يعانى الفساد وعدم الكفاءة.
وفى الوقت ذاته، تعانى الخدمات العامة الأساسية حالة انهيار تام، وأكبر دليل على ذلك حوادث القطارات المتكررة أثناء حكم مرسى والتى أودت بحياة ثمانين شخصاً تقريباً بينهم خمسون طفلا واصابة المئات، كما تفتقر المستشفيات الحكومية فى جميع أنحاء الدولة تقريبا إلى الأدوية والمعدات الطبية الأساسية بما فى ذلك السرائر، حتى إن التعليم الذى يعد ظاهريا مجانياً، بات فى الواقع باهظ التكاليف بالنسبة لغالبية الأسر المصرية.
ونظرا لكل هذه الأسباب لم تعد الحياة فى مصر إلى طبيعتها، وسوف يستمر المتظاهرون فى الاحتشاد بالشوارع حتى تتحقق مطالب الثورة.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فورين بوليسى








