ينظر غالبية المراقبين إلي السياسات النقدية غير التقليدية مثل التيسير الكمي باعتبارها ضرورة لإطلاق عنان نمو الاقتصادات التي تعاني اليوم من الضعف، ولكن التساؤلات حيال مدي فاعلية التيسير الكمي ومخاطره بدأت تتضاعف ايضا، خاصة أن العواقب العشر المحتملة التي ترتبط بمثل هذه السياسات جديرة بالانتباه بحسب رؤية نوريل روبيني المحلل في موقع بروجيكت سايندكيت.
أولا، ففي حين أن الاستجابة «النمساوية» البحتة «أي التقشف a» لانفجار فقاعات الأصول والائتمان قد تؤدي إلي الكساد، فإن سياسات التيسير الكمي التي تؤجل عملية تقليص الديون الخاصة والعامة الضرورية لفترة طويلة قد تخلق جيشا من الموتي الأحياء مثل مؤسسات مالية ميتة حية، وأسر وشركات ميتة حية، وفي نهاية المطاف حكومات ميتة حية – علي حد تعبيره – ولذلك، نجد انه في مرحلة ما بين هذين النقيضين يجب التخلص من التيسير الكمي تدريجيا للتخلص من تصلب شرايين الدولة.
ثانياً، قد يصبح تكرار التيسير الكمي غير فعال بمرور الوقت نظرا لانسداد قنوات الانتقال إلي النشاط الاقتصادي الحقيقي، حيث ان قناة السندات لا تعمل عندما تكون عائدات السندات منخفضة بالفعل، وقناة الائتمان لا تعمل عندما تكنز البنوك السيولة وتنهار سريعا.
ثالثا، تصبح قناة سعر الصرف الأجنبي غير فعالة إذا اتبعت عدة بنوك مركزية رئيسية سياسة التيسير الكمي في نفس الوقت، وعندما يحدث ذلك فإن التيسير الكمي يتحول إلي معادلة محصلتها صفرا، وذلك لأنه لا يمكن خفض قيمة جميع العملات، كما ان جميع الموازين التجارية لا يمكن أن تتحسن في نفس الوقت، والنتيجة إذن هي اندلاع «حروب التيسير الكمي» كوكيل «لحروب العملة».
ورابعا، يؤدي التيسير الكمي في الاقتصادات المتقدمة إلي توجيه تدفقات مفرطة من رأس المال إلي الدول الناشئة، والتي تواجه تحديات سياسية عصيبة، حيث تعمل التدخلات العقيمة في النقد الأجنبي علي الإبقاء علي أسعار الفائدة المحلية مرتفعة وتغذية التدفقات، في حين تعمل التدخلات غير العقيمة وخفض أسعار الفائدة المحلية علي خلق سيولة مفرطة من الممكن أن تغذي التضخم المحلي أو فقاعات الأصول والائتمان.
خامسا، قد يؤدي الاستمرار في التيسير الكمي إلي فقاعات الأصول، وقد تحدث هذه الفقاعات في أسواق الأسهم والعقارات والسلع والسندات والائتمان.
سادسا، من الممكن أن يخلق التيسير الكمي مشاكل أخلاقية خطيرة من خلال إضعاف الحافز لدي الحكومة للاستمرار في الاصلاحات الاقتصادية اللازمة، كما انها قد تؤدي إلي تأجيل التقشف المالي المطلوب اذا تم تحويل العجز الضخم إلي أوراق مالية، والحفاظ علي أسعار الفائدة منخفضة للغاية يحول السوق دون فرض الانضباط.
سابعا، يعد الخروج من التيسير الكمي عملية معقدة، فاذا حدث الخروج ببطء شديد وفي وقت متأخر، قد ينتج عن ذلك التضخم وفقاعات الائتمان والأصول، وإذا تم الخروج عن طريق بيع الأصول الطويلة الأجل التي تم شراؤها أثناء التيسير الكمي، فقد تؤدي الزيادة الحادة في أسعار الفائدة إلي خنق التعافي، ما يكبد حامل السندات الطويلة الأجل خسائر مالية كبيرة، وإذا كان الخروج عن طريق رفع أسعار الفائدة علي الاحتياطيات الفائضة، فإن خسائر الميزانيات العمومية للبنوك المركزية ستكون كبيرة.
ثامنا، تنطوي الفترة المطولة من أسعار الفائدة الحقيقية السلبية علي إعادة توزيع الدخل والثروة من الدائنين والمدخرين إلي المدينين والمقترضين، ما يلحق أضرارا بالغة بالدائنين والمدخرين بما في ذلك أصحاب المعاشات وصناديق المعاشات.
تاسعا، سياسة التيسير الكمي وغيرها من السياسات النقدية غير التقليدية لها عواقب وخيمة غير مقصودة، مثل اندلاع التضخم المفرط أو تباطؤ نمو الائتمان بدلا من تسارعه. وأخيرا، هناك خطورة في فقدان رؤية العودة إلي السياسات النقدية التقليدية، فقد انتقلت الولايات المتحدة من التيسير الكمي الأول إلي الثاني والآن إلي الثالث والذي يعد غير محدود ومرتبطا باستهداف البطالة، كما انهم انتقلوا بالفعل إلي تخفيف القيود الائتمانية الخطيرة مع تضاؤل فاعلية التيسير الكمي.ومن المؤكد ان التيسير الكمي وغيره من السياسات النقدية غير التقليدية لها فوائد مهمة علي المدي القصير ولكن اذا ظلت هذه السياسات دون تغيير طويلا فإن آثارها الجانبية ستكون قاسية وثمنها غاليا علي المدي الطويل.
إعداد: نهى مكرم







