بقلم: جايمس تراوب
استطلعت منذ أيام آراء بعض المسئولين في إدارة أوباما عن سياساتهم مع مصر، ورغم تردد الرئيس الأمريكي أوباما في دفع الولايات المتحدة نحو دوامة سوريا، يتهمه البعض بتدليل ديكتاتور في مصر، ويقول محللون إن إدارة الرئيس الأمريكي قد كافأت الرئيس المصري مرسي بعد ان امتثل لأهداف الأمن القومي للولايات المتحدة تماماً كما فعل اسلافه مع حسني مبارك.
هل هذا عدلً؟ فأوباما يستحق التقدير لقبوله اختيار المصريين حكومة إسلامية بعد سنوات طويلة رأت فيها واشنطن ان أي شراكة معها يعد أمراً غير مقبول، ولكن من الحقيقي ـ أيضاً ـ ان إدارة أوباما لم يكن لها رد فعل قوي ضد مرسي عندما حصن نفسه ضد الأحكام القضائية وفرض دستورة غير ليبرالي واحتقاره لمعارضيه، وقد يكون هذا الصمت الاستراتيجي قد أعطي مرسي ـ أيضاً ـ شعوراً بأن أمريكا منحته ضوءاً أخضر للاستمرار في مساره الاستبدادي، ولكن أوباما لا يرغب في اغراق سفينة مرسي الهشة.
وتري إدارة الرئيس الأمريكي مثلما يري الجميع ان المعارضة المصرية عقيمة وكسولة وغير منظمة وسعيدة بمعارضتها الصامته في القاهرة وعدم الاهتمام بتنظيم حملات انتخابية في الريف، وقد حث جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي المعارضة اثناء زيارته للقاهرة علي عدم مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة، حيث إن تراجع شعبية مرسي سيتيح الفرصة لمعارضيه لتحقيق مكاسب كبيرة إلا أن معظمها ستقع في أيدي السلفيين عن العلمانيين.
ويبدو ان إدارة أوباما تشعر بارتياح حيال التعامل مع الجيش المصري أكثر من أي مؤسسة أخري خاصة أنه من تخلص من مبارك وسلم السلطة إلي رئيس منتخب يسانده حتي الآن، فضلاً عن اصراره علي التنسيق مع إسرائيل، كما انه يعمل بشكل جيد علي الحدود، والإدارة ليس لديها أي مصلحة في خفض أو إعادة برمجة المساعدات الأمريكية كما يقول بعض النقاد.
وباختصار، فان أوباما أقل قلقاً الآن من انزلاق مصر نحو نظام استبدادي مرة أخري، خاصة ان البلاد علي وشك الانهيار، حيث إن احتياطي النقد الأجنبي سينفد من الخزانة المصرية في غضون ثلاثة أشهر علاوة علي توقف المساعدات القطرية، كما ان صندوق النقد الدولي يطالب مصر ببعض الإصلاحات التي تعد مؤلمة سياسياً وعلي رأسها خفض الدعم الذي يحافظ علي أسعار الوقود والغاز منخفضة، ورد مرسي علي كل ذلك أن واشنطن يجب ان تعطي مصر النقود فحسب.
يكمن خوف واشنطن في أن تدفع القيادة المصرية البائسة البلاد إلي الهاوية، حيث يدور السيناريو المرعب في عدم قدرة مصر علي سداد ديونها، الأمر الذي سوف يدفع نصف سكان القاهرة إلي التروح نحو ميدان التحرير مرة أخري، وقد يشعر الجيش بحتمية تولي زمام الأمور من جديد وقد أكد كيري علناً أثناء زيارته إلي مصر ضرورة التوصل إلي اتفاق علي قرض صندوق النقد الدولي، وطالب مرسي باتخاذ الإجراءات السياسية الصعبة والبدء في العمل مع المعارضة، كما قدم كيري للحكومة المصرية عدداً من المحفزات منها 250 مليون دولار كدفعة مقدمة من المليار دولار التي وعد بها أوباما، فضلاً عن 300 مليون دولار إضافية بعد ان يوقع مرسي الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي.
ولكن هل تعد المحفزات المالية المتواضعة والارشادات الخاصة والعلنية وعدم وجود أي تدابير عقابية استجابة كافية لتلك الأزمة التي يعانيها بلديقع في قلب العالم العربي؟
انني اتفق بشكل عام مع زميلي، مارك لينش، الذي قال إن أوباما فعل ما يستطيع مع مصر، ولكن الديمقراطيات العربية الهشة في حاجة إلي المساعدة أكثر من بولندا وبلغاريا، إلا أن مساعدة تلك الديمقراطيات تعد أكثر صعوبة، فلا يوجد هناك الكثير أمام إدارة أوباما للقيام به حتي تنخرط المعارضة المصرية في السياسة الديمقراطية، وليس أمامها الكثير ـ أيضاً ـ ما تفعله حتي يدرك مرسي ان فوزه بالأغلبية البرلمانية لا يمنحه الحق في ان يعامل معارضيه باحتقار، فهذا ـ فقط ـ يمكن اكتسابه من خلال خوض تجارب مؤلمة.
إعداد: نهي مكرم
المصدر: فورين بوليسي







