من الآن فصاعداً، علينا أن ننسي ما تعلمناه في كليات إدارة الأعمال، وما ينصح به مستشارو التسويق وخبراء العلاقات العامة وأخصائيو الإعلام الاجتماعي؛ إذ إن نصائحهم لم تعد تجدي نفعا لأنهم لا يرون الصورة الأشمل. لقد تكشفت الصورة الأشمل في يوم الانتخابات، وكانت هي السبب الذي أتاح لباراك أوباما أن يتولي منصب الرئيس مرة أخري.
اتضحت العديد من الدروس في ذلك اليوم- وهي دروس علينا أن نستفيد منها ونطبقها. إنها لا تتعلق بالسياسة والمناظرات ونحو ذلك، فالعالم قد ضاق ذرعا بهذه الأمور. بل إنها تشرح لنا كيف أن جيشا من الخبراء التقنيين والمؤيدين السياسيين استطاع أن يمد يد العون لإعادة انتخاب رجل لم يحقق في سنواته الأربع الأخيرة أي نجاح يذكر.
ففي الأشهر القليلة الماضية، أجريت عدد من المقابلات مع الناشطين الحقيقيين في حملة أوباما ، وإذا أردت أن ألخص ما سمعته منهم في نصيحة واحدة للشركات، فسأقول إن عليها أن تشرع فورا في تغيير أساليبها التقليدية في العمل.
وكما أخبرني فيفك كوندرا- الرئيس التنفيذي السابق للمعلومات في الولايات المتحدة، ونائب رئيس الأسواق الناشئة في شركة (سيلز فورس- Salesforce): “ينبغي علي كل شركة في العالم أن تعيد النظر في كيفية ربط أعمالها مع الموردين والشركاء والمؤثرين والعملاء، من أجل تعزيز علامتها التجارية بصورة إيجابية”. وسأستعرض لكم فيما يأتي 7 دروس مستفادة من حملة أوباما الانتخابية في تطوير الشركات:
1. جمع المعلومات وتحليلها
يقول لاري غريسولانو، الذي شارك في إدارة الحملات الدعائية لفريق أوباما: “إذا كنت تبيع منتجا ما، واستطعت أن تفرق بين الأشخاص الذين قد يرغبون في شراء منتجك وأولئك الذين قد يحجمون عن ذلك، فأنت حينئذ قادر علي جني الأرباح الطائلة”. ويضيف: “إذا تمكن المرء من جمع المعلومات المتعلقة بميول الناس وتحليلها، ثم تطوير عملية ممنهجة لقياس احتمالات أن تنال منتجاته إعجاب فئات معينة من الناس، يغدو بمقدوره آنذاك أن يوظف مصادره المختلفة لاستهداف تلك الشرائح بكفاءة وفاعلية”.
وبمعني آخر، ينبغي علي الشركات أن تكثف جهودها لمعرفة احتياجات عملائها الحاليين والمحتملين أيضا، ثم أن تستخدم ما لديها من معلومات في استهدافهم بدقة متناهية؛ فالمساعي الترويجية العشوائية لم تعد تجدي نفعا.
2. مواصلة عمليات القياس
لقد أوضح لي إدوارد ساتشي، مؤسس شركة (ناشونال فيلد- NationalField)، كيف أن استخدام موقع (mybarackobama.com) الاجتماعي الشبيه بموقع فيسبوك قد أسهم في تعزيز إنتاجية العاملين في الحملة الانتخابية بنسبة تراوحت بين 15% و40%. يقول ساتشي: “قمنا بتوزيع لوحات بأسماء المنافسين في كل مكان، وكان لدي المتطوعين والناشطين في الحملة ملفات شخصية للمنافسين، تحتوي علي جداول ورسوم بيانية تظهر أداء كل واحد منهم خلال الأيام الـ30 أو الـ60 أو الـ90 الماضية. وهذا سمح للمتطوعين بأن يقارنوا أنفسهم مع الآخرين، وأن يكثفوا من جهودهم إذا كان عملهم دون المستوي.
يدرك ساتشي أن نشر مثل هذه اللوحات القياسية سيدفع الناس إلي تحسين الأداء وتحمل المزيد من المسئولية. وعلي الرغم من تخوف المديرين من عملية القياس، إلا أنهم لن يستطيعوا تحفيز موظفيهم من دونها.
3. إجراء التعديلات والتحسينات
لقد تفهم المسئولون عن حملة أوباما توجهات الناخبين وسلوكاتهم في الولايات المتأرجحة (أي التي لا تتضمن أغلبية واضحة لصالح حزب معين). فقد قاموا بتحليل كميات هائلة من المعلومات لكي يتناسب طرح المتطوعين في الحملة مع أهواء المقترعين، ويؤدي لاحقا إلي زيادة فرص أوباما في حصد الأصوات. فالناس تميل في الغالب إلي التجاوب مع من يشاركها الآراء ذاتها.
يتوجب علي الشركات الذكية أن تجري التعديلات بناء علي رغبات عملائها. عليها أولا أن تجمع معلومات كافية حول تصرفاتهم وميولهم، ومن ثم أن توائم بين توجهاتها وبين ما يريده العملاء، فهذه العملية تقود أخيرا إلي زيادة حجم المبيعات؛ لأنها تتيح للشركة أن تبقي منتجاتها منسجمة مع تطلعات الزبائن طوال الوقت.
4. اختبار المتغيرات
لقد قمت بهذا الاختبار من قبل، لكن ليس بالنطاق أو السرعة التي كان عليها دان سيروكر- مؤسس شركة (أوبتيمايزلي- Optimizely) في حملة أوباما؛ فقد قام فعليا باختراق الشيفرة الإنسانية للحصول علي أفضل استجابة سياسية عبر اختبار مئات المتغيرات فيما بين الناس. يقول سيروكر: “أجرينا اختبارات عدة لمعرفة شتي الاختلافات، ومن ثم إيصال رسائل متنوعة ونداءات للحث علي المشاركة، إلي جانب السعي لجمع المزيد من التبرعات. وبفضل جهودنا تمكنا من رفع الكفاءة بنسبة 49%”.
كما قام فريقه بتغيير الموقع الإلكتروني لحملة أوباما، ليتناسب مع سلوكيات المستخدمين وأماكن سكناهم، لذا كان ما يشاهده مستخدم الموقع في مدينة سان دييجو مثلا يختلف عما كان يعرض في الولايات المتأرجحة مثل أوهايو. وينصح سيروكر الشركات بأن تباشر فورا في عمل اختبار للمتغيرات، حتي تتمكن من تقديم الرسالة الصحيحة إلي فئات المستهلكين التي تستهدفها.
5. العمل مع المؤثرين
ربما أن البعض لم يكن مهتما بأن يعرف لمن سيصوت جورج كلوني- الممثل الأمريكي الشهير، لكن محللي البيانات في فريق أوباما كانوا يدركون أنه يحظي بإعجاب السيدات بين سن 40 و49 عاماً. لذا قام فريق أوباما بالاستفادة بدهاء من هذه المعلومة في إقامة حفل عشاء تجمع كلوني مع أوباما، وذلك لجمع التبرعات للحملة. وقد رجحت مجلة التايم أن تكون النساء هي الشريحة السكانية الوحيدة المستعدة لتقديم المال في سبيل تناول طعام العشاء مع كلوني وأوباما في هوليوود.
من الواجب علي الشركات الذكية أن تتعلم كيف تتعاون مع أصحاب التأثير الكبير في مجال عملها، من أجل إكساب علامتها التجارية شهرة واسعة وبالتالي زيادة حجم المبيعات، فقد بات بعض الأفراد المؤثرين أكثر أهمية حاليا من وسائل الإعلام، حينما يتعلق الأمر باستمالة عقول العملاء المستهدفين.
6. حشد المؤيدين والمؤثرين والشركاء والموظفين
لقد اتضح أن مئات المتطوعين في أنحاء البلاد كانوا يستخدمون تطبيقات الهواتف المحمولة من موقع (Salesforce.com) الإلكتروني لمناقشة القضايا المتعلقة بحملة أوباما، مما جعل الحملة في حالة تأقلم مثالي مع المتغيرات، وساعد حقا في تخصيص نوع الردود علي الاستفسارات بحسب مرسليها. يقول كوندرا: “في يوم الانتخابات، وردنا عدد هائل من الاستفسارات عبر الهواتف المحمولة بلغ حوالي80 ألف استفسار، وقد كان هذا درسا لنا في الرشاقة والسرعة”. كما استخدمت الحملة تقنيات الأجهزة المحمولة لتدوين أعمال المتطوعين في أرجاء البلاد وتصنيفها، مما سهل كثيرا من عملية التواصل مع الآلاف من الناشطين.
يتوجب علي الشركات الذكية أن تستغل التقنيات المحمولة في حشد مؤيديها وموظفيها وشركائها والمؤثرين أيضا، إذ سيعمل ذلك علي تكوين قوة هائلة. وبدلا من الاعتماد علي الاجتماعات الفجائية والمتقطعة، يجدر بالشركات أن توظف أتباعها في المجتمع بأسره للتأثير في العملاء المحتملين علي نطاق واسع. ومن الضروري أيضا أن يتم استغلال الهواتف المحمولة في معرفة ردود أفعال الزبائن، ومن ثم العمل علي معالجتها والاستفادة منها والتأقلم معها.
7. نشر المحتوي اجتماعيا
بالرغم من أن القائمين علي حملة أوباما قد نجحوا في نشر المحتوي ضمن نطاق واسع من خلال حث المؤيدين علي نقل رسائل الحملة إلي معارفهم، إلا أن تطبيق الشيء ذاته في عالم الشركات ليس بالأمر الهين. لكن فيجاي سوندارام- رئيس قسم التسويق في (سوشال تويست- SocialTwist)، أخبرني أن شركته قد استطاعت تحقيق نتائج مذهلة، عندما قامت بتبني طرق مبتكرة لتشجيع الزبائن علي التعريف بمنتجاتها في أوساط أقاربهم وأصدقائهم، لاسيما عن طريق الرسائل الإلكترونية، إذ مما لاشك فيه أن الناس تقبل علي قراءة الرسائل الإلكترونية الواردة من الأصدقاء والتفاعل معها، أكثر من تلك التي توجهها الشركة مباشرة.








