بقلم: آن هوتمان
لقد دفعني تقديم المفوضية الأوروبية لحزمتها الرابعة من المقترحات والمتعلقة بتطوير قطاع السكك الحديدية في شهر يناير، إلي أن أتذكر الدور الذي لعبه خط السكة الحديدية ـ العابر للقارات ـ في بناء نهضة أمريكا وتوحيد شعبها يقول فيليكس روهاتين في كتابه «جهود جبارة»: «إن خط السكة الحديدية العابر للقارات برهن علي كونه استثماراً حكيماً للحكومة، بالرغم من اشتماله علي مغامرة مالية كبيرة، ومثلما تنبأ القائد الشجاع لينكون، فقد أسهم إنشاء هذا الخط في إحداث نقلة نوعية للأمة وفيما أخذ الناس يستقلون القطارات نحو الغرب، انبثقت البلدات والمدن العظيمة علي طول الطريق واتسعت الرقعة العمرانية في البلاد التي ازدهرت بشكل ملحوظ إن هذا الاستثمار الحكيم والجريء ساعد أمريكا علي تحقيق طموحاتها».
بعد ثمانين عاماً، راودت الفكرة ذاتها عقول الأجداد المؤسسين في أوروبا فقد كانت السياسة المتعلقة بتنظيم قطاعي: النقل والزراعة هي الوحيدة من نوعها التي أدرجت في المعاهدة التأسيسية للمجتمعات الاقتصادية الأوروبية، والتي جري توقيعها في عام 1957، منذ البداية، عرف القادة الأوروبيون أن النجاح في إقامة شبكات نقل عابرة للقارات سيكون دعامة أساسية لإيجاد سوق مشتركة قوية.
حتي هذا اليوم، يوظف قطاع السكك الحديدية في أوروبا ما يقارب 800 ألف عامل ويفخر بتحقيق عائدات بمقدار 73 مليار يورو كما ينقل ما نسبته 10% من مجمل شحنات البضائع في أنحاء أوروبا، إن هذا القطاع يشكل أهمية كبيرة للتجارة والازدهار داخل الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن كونه عنصراً أساسياً لتحقيق التنوع، إذ يتم تسيير 8 مليارات رحلة للمسافرين بالقطارات كل عام كما تعد السكك الحديدية، إلي جانب تشريعات أخري مثل اتفاقيتي «إيراسموس» و«شينغين»، عاملاً رئيساً في تكوين روابط قوية بين البلدان والثقافات المختلفة داخل قارة أوروبا.
من جهة أخري، لم أكن لأعلق قطعاً علي ما يمكن أن يتيحه قطاع السكك الحديدية لأوروبا من فرص كامنة لو أن جمعية قد تم استغلاله بالفعل وعلي النقيض من وضع الولايات المتحدة عام 1860، لم تكن أوروبا في عام 1957 قارة عذراء فالشبكة الوطنية للسكك الحديدية كانت قائمة أصلاً، كما كانت الكثافة السكانية أعلي بكثير من مناطق الغرب الأمريكي غير أن الخلافات السياسية حول كيفية إدارة وسائل النقل «القطارات والطرق والجو والبحر» بوساطة المجتمعات الاقتصادية الأوروبية أدت إلي تجميد الحوار حول قطاع النقل لمدة نصف قرن.
ولقد عوض المشرعون عن هذا التأخير بتبني 3 حزم متعاقبة من المقترحات المتعلقة بتطوير قطاع السكك الحديدية في الأعوام 2001 و2004 و2007 وكان المقصود منها فتح المجال تدريجياً أمام المنافسة في تقديم خدمات الشحن ونقل المسافرين الدوليين والملاحة الساحلية لكن بالرغم من هذه التغييرات، لاتزال شبكات السكة الحديدية تعاني من الجمود أو التراجع في الكثير من دول الاتحاد الأوروبي، فضعف الاستثمار في بلدان معينة والافتقار إلي الدعم الحكومي الكافي في بلدان أخري قد أوجد حالة من التدهور الخطير وبالرغم من الطلب المتزايد علي نقل المسافرين والبضائع إذ بحلول عام 2050، سيزداد الطلب علي نقل البضائع بنسبة 80% وعلي نقل المسافرين بنسبة 51%، فإن الحاجة الماسة لمحاربة الاكتظاظ المروري وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وتأمين ما يلزم من الوقود، تقتضي إجراء تغييرات جوهرية إضافية لوقف هذا التدهور.
إن الحزمة الرابعة لمقترحات تطوير السكك الحديدية، التي وضعت علي جدول الأعمال في شهر يناير من هذا العام تشكل الخطوة النهائية علي طريق فتح أسواق السفر المحلية أمام المنافسة كما تهدف أيضاً إلي إصلاحات تقنية وهيكلية ضرورية أما الغاية المعلنة فهي دعم الاتحاد الأوروبي لمعاودة النمو مجدداً.
بل إن تلك الحكومات التي تنتهج سياسة التقشف تبدو مؤيدة أيضاً لهذه المقترحات، وخلال المفاوضات الأخيرة للاتحاد الأوروبي حول الميزانية حصلت مشروعات البنية التحتية لقطاع النقل علي 23.3 مليار يورو من أصل 30 مليار يورو تمت المطالبة بها في البداية هذا أقل مما طالبنا به لكنه في الوقت ذاته أكثر من المخصصات الحالية والبالغة 8 مليارات يورو فقط، ولا شك أيضاً أنه أكثر مما جري تخصيصه لشبكات الطاقة والاتصالات عن بعد كما يحتاج هذا المقترح حالياً إلي عرضه للتصويت في البرلمان الأوروبي، لكن المؤشرات الأولية التي أبدتها الحكومة حول هذه المسألة كانت مطمئنة للغاية.
إن العبارات الافتتاحية في معاهدات الاتحاد الأوروبي، والتي توضح عزمنا علي وضع حجارة الأساس لوحدة قوية بين شعوب أوروبا وقد ترددت مراراً وتكراراً في مناسبات عدة كما أعرب الرئيس باروسو عن رغبته الشخصية في إيجاد وحدة كبري من خلال المناداة بتحقيق رؤية ديلور في إقامة «اتحاد فدرالي للدول القومية» ختاماً، تظهر القوانين التشريعية خلال السنوات العشر الماضية والقرارات الأخيرة المتعلقة بالميزانية أن أوروبا قد أصبحت مستعدة أخيراً للقيام بـ«استثمارات حكيمة وجريئة» في شبكة السكك الحديدية العابرة للقارات من أجل بلوغ طموحاتها.








