الغذاء والأمن أهم التحديات أمام الرئيس الجديد للتصدي للمعارضة
أعلي معدل جرائم قتل في العالم، و30% متوسط التضخم وعجز في الموازنة يعادل 15% من الناتج المحلي الاجمالي وسعر صرف العملة المحلية أمام الدولار في السوق السوداء يساوي ثلاثة أضعاف السعر الرسمي.
هذه هي التركة الثقيلة التي ورثها الرئيس الفنزويلي الجديد نيكولا مادورو عن الرئيس الراحل هوجو تشافيز الذي غطي أزمات الاقتصاد بتوهج كاريزمته كزعيم يساري مدعوم بعائدات البترول لكن حتي هذه الميزة خفت ضوئها في الآونة الأخيرة بفعل تراجع الطلب وتباطؤ الاقتصاد في العالم.
ورغم أن ضجيج الصراع السياسي في البلاد أحدث نوعاً من التشويش علي المشكلات الاقتصادية التي ضربت حتي الاحتياجات اليومية للمواطن إلا أن الرئيس الجديد لديه مهمة صعبة لتجنب ثورة جياع في وقت اضطرت فيه الحكومة إلي خفض سعر الفائدة الأساسي في البنوك وزيادة الانفاق العام بنسبة 45% في الفترة من 2011 إلي 2012.
ويمكن القول بارتياح إن المشكلات التي يعاني منها المواطن في توفير ما يحتاجه هو وأسرته كانت السبب الرئيسي في الفارق الضيق الذي فاز به مادورو علي منافسه بعد ان حصل علي 50.66% من أصوات الناخبين، حيث يعتبر تصويت نصف الشعب تقريباً ضد ظل تشافيز كما يسميه البعض هو تصويت ضد المعاناة الاقتصادية ذهب لصالح المعارضة حيث حصل هنريكي كابريليس 49.07%.
ويحتاج الموردون إلي 100 مليون دولار يوميا للوفاء بالتزاماتهم لكن الحكومة في كاراكاس علي مدار 9 أشهر قبل اعادة انتخاب هوجو تشافيز في اكتوبر الماضي كانت تضخ يوميا 45 مليون دولار وبعد الانتخابات خفضت المبلغ إلي 15 مليون دولار فقط قبل أن توقف تماما عملية طرح العملة الأجنبية وخفضت سعر صرف العملة المحلية لكنها لجأت إلي أسلوب المزادات لضخ 200 مليون دولار مطلع الشهر الجاري.
وتسببت مشكلات النظام المالي بفنزويلا في خلق سوق سوداء للدولار وصل فيه سعره إلي 26 بوليفار محلي وهو أعلي 4 مرات من السعر الرسمي البالغ 6.3 بوليفار.
وفي محلات تجارة التجزئة هناك نقص حاد أيضاً في السلع منها الدقيق والخبز والسكر والدجاج واللحم البقري وفي حالة وجودها فإنه لا يمكن الحصول عليها بالسعر الرسمي حتي حفاضات الاطفال اصبحت نادرة الوجود في الأسواق التي استبدلتها الأمهات بالملابس القديمة.
ويعتبر التضخم هو أخطر ما يواجه الشعب الفنزويلي الذي يعيش افراده علي متوسط دخل شهري 80 دولاراً فضلاً عن الحالة الأمنية المتردية التي تجعل السير في الشوارع مخاطرة كبري بسبب السرقة تحت تهديد السلاح أو الخطف لطلب فدية أو القتل وهو ما يلقي بظلاله علي النشاط الاقتصادي.
وبالنسبة لشركة بي دي في إس ايه البترولية العملاقة واهم مورد للدخل للخزانة العامة فإن الديون الحكومية المستحقة لها مقابل مواد الطاقة لتشغيل محطات الطاقة ارتفعت في 2012 فقط 33% لتصل إلي 16.47 مليار دولار.
وتتمثل المشكلات الهيكلية في فنزويلا في سياسات التحكم في الاسعار والتضخم ونظام التعيينات حيث لا يمكن بيع السلع باكثر من تكلفتها ولا يمكن فصل اي عامل حتي لو كان لا يحضر لعمله وكثير منهم يفعل ذلك خصوصا في الشركات العامة المملوكة للدولة.
واستفاد تشافيز علي مدار 14 عاماً من حكمه من ارتفاع اسعار البترول حيث حلق في السنوات الاخيرة سعر برميل الخام فوق مستوي الـ100 دولار في دولة تصدر 11 مليون برميل يومياً وتمتلك اكبر احتياطيات العالم متفوقة علي المملكة العربية السعودية وكلتاهما عضو في منظمة الدول المصدرة للبترول « أوبك ».
لكن نظام تشافيز فشل في استغلال العائدات لتحقيق تنمية مستدامة عبر مشروعات ضخمة فيما أدت سياسة التأميم إلي فرار المستثمرين وهو ما جعل الموازنة العامة تعاني من ضعف المشروعات الممولة من الحكومة أو من المستثمرين الأجانب وايضا المحليين.
كما أن فنزويلا تصدر معظم إنتاجها من البترول الخام ولا يمكنها سوي تكرير 2.7 مليون برميل يوميا وهو ما يعادل ثلث احتياجات الوقود لشعبها ويضطرها لاستيراد مواد الطاقة من الخارج بمعدل يقترب من الثلثين بينما تعتمد بشكل كبير علي الغاز الذي يصل سعر الجالون منه لبنس واحد وهو السعر الأقل عالمياً كما أن الدولة تدعم سعر الوقود بنسبة 50%.
فإذا كان هوجو تشافيز استطاع تأجيل الانهيار الاقتصادي مستخدما سحره الخاص وقدرته علي ابهار الآخرين محلياً وإقليمياً ودولياً باعتباره زعيم آخر معقل لليسارية في العالم المناهضة للقوي الاستعمارية فماذا عساه أن يفعل ظله نيكولاس مادورو؟.