ما الذي كان سيفعله حافظ الأسد ؟ يسأل كل سوري هذا السؤال، هل كان سيتناول أسد دمشق السابق، الذي تولي ابنه بشار الرئاسة بعد أن وفاته المنيه عام 2000، مأساة سوريا الحالية بأسلوب أشد ضراوة أم اكثر ليونه؟ هل كان سيسمح لسوريا أن تنزلق إلي حرب اهلية بهذه السرعة؟ هل كان سيستخدم نفس القسوة التي دمر بها الإخوان المسلمون في حماه عام 1982 والتي اودت بحياة 20،000 شخص؟ أم أنه كان سيكبح جماح البوليس السري ويعترف بالمظاهرات الشعبية كفرصة للابتعاد عن الديكتاتورية؟
الموتي لا يستطيعون الكلام، ولكن هناك معلومات لم تكن معروفة حتي وقتنا هذا جاءت من السجلات السرية للرئاسة السورية ووزارة الخارجية نشرت في كتاب جديد لبثينة شعبان التي أمضت عشر سنوات كمترجمة لحافظ الأسد ومازالت تعمل كمستشارة لابنه بشار.
حضرت بثينة شعبان العديد من محادثات عملية السلام في تسعينيات القرن الماضي بين حافظ الأسد وجورج بوش وبيل كلينتون وبين وزراء خارجية الولايات المتحدة ووزير الخارجية السوري آنذاك فاروق الشرع «نائب الرئيس حالياً» وناهيك عن قادة اسرائيل، يقدم كتابها «يوميات دمشق» رؤية جديدة حيال أكثر القادة العرب قوة وإثارة للاهتمام.
تبدأ حكاية بثينة شعبان في أعقاب تحرير الكويت عام 1991 من ايدي الرئيس العراقي صدام حسين مباشرة، عندما وصل وزير الخارجية الامريكي جايمس بيكر إلي دمشق لاقناع حافظ الأسد بإرسال وفد إلي محادثات السلام مع الاسرائيليين والدول العربية الاخري في مدريد، وقال بيكر لحافظ إن نيران البترول التي أشعلها صدام من الممكن أن تصل إلي ايران وتركيا، ابتسم الأسد ورد قائلا إن هناك نيراناً نراها واخري لا نراها والنيران الخفية قد تكون في بعض الاحيان أخطر من تلك التي نراها، هذه الإجابة كان من الممكن ان يقولها الأسد في سياق مختلف اذا كان علي قيد الحياة منذ عامين.
طالب الأسد بعودة جميع مرتفعات الجولان التي احتلتها اسرائيل منذ عام 1967 وعودة كل شبر من الاراضي السورية مقابل السلام الكامل وطالب بتراجع اسرائيلي حتي قبل تبادل السفراء، وطالب الأسد ايضا ان يكون الروسيون والامم المتحدة رعاه مشاركين في مدريد، قال بيكر إنه موافق علي مشاركة الامم المتحدة مدعيا بغضب أنه يقول دائما “نعم” للأسد، ولكنه قال لبيكر إنك في الواقع لم تقل نعم، بل إنك تقول لا، فقد طلبت منك ان توافق علي رعاية الامم المتحدة للمؤتمر ولكنك قلت لا.
قال بيكر انه يستطيع توفير 50% مما تريده سوريا من أجل حضور المؤتمر، ورد الأسد “حتي نصل إلي 100%، علينا ان نجرد من ملابسنا ولدينا قرار في سوريا الا نتجرد من ملابسنا ابدا”، وحضر السوريون مؤتمر مدريد ولكنه كان فاشلا.
انطباع الأسد عن الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلينتون كان أنه رجل شاب يبدو أنه يريد أن يكون محايدا في حل الصراع العربي الإسرائيلي، وهو وهم بالتأكيد، لكن هذا ما اعتقده الأسد، وقال كريستوفر وارين للأسد أن سلام الشرق الأوسط هو الأولوية الأولي لكلينتون، إلا أن الأسد سمع من قبل هذا الكلام من نيكسون وكارتر وبوش.
تفاوض الأسد وكلينتون علي ما سمي بوديعة رابين وتضمنت إزالة المستعمرات اليهودية في الجولان والانسحاب التدريجي للجيش الاسرائيلي.
فقد كان حافظ الأسد رجلا صارما لم يكن ليتخلي عن شبر واحد من السيادة السورية ولكنه اعجب بكلينتون وتفهم حتي حاجة اسرائيل للامن.
إذن ما الذي كان سيفعله حافظ الأسد اليوم؟ هل كان سيتحمل إدانة اوباما كما فعل بشار؟ هل كان سيقاتل مرة أخري؟.. أم كان سيفسح المجال أمام التاريخ ويتقاعد؟ ابنه لم يمنحنا وجهة نظره حيال هذه الاسئلة ولكن هذا هو السؤال الذي أريد أن أطرحه عليه.
بقلم: روبيرت فيسك
المصدر: صحيفة الاندبندنت








