الاحتجاجات التي أطاحت بالحكومات كان وقودها الغضب العارم نتيجة غياب عنصر رئيسي قي اقتصادات السوق.
استعادت القاعدة نشاطها في مالي والجزائر وغيرهما، كما أن الاضطرابات العنيفة والعداء تجاه الغرب آخذ في التنامي في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، وقد يكون من السهل بعد مرور عامين علي الربيع العربي أن تصاب بالإحباط حيال ما أحدثته صحوة الشعوب.
هذا قد يكون ذلك غير صحيح، فلسوء الحظ بالنسبة للقاعدة وحلفائها، هناك العديد من القوي الأخري الواعدة أصبحت ناشطة مما يرسل إشارات إيجابية للغرب فقط اذا قرر الغرب الإنصات إليها.
هناك بحث أجراه معهد الحرية والديمقراطية ومقره بيرو في المنطقة ووجد أدلة قوية علي أن ثورات الربيع العربي قامت رغبة في تحقيق ما يطلق عليه في الغرب « اقتصاد السوق »، هذا المصطلح قد لا يستخدمه العرب كثيرا، ولكن رغبتهم في تحقيق درجة من الأمن الاقتصادي، وما يصاحب ذلك من ضمان حقوق الملكية، وغيرها من الحريات تعد بمثابة قوي لن يتمكن اعداء حرية الأفراد من التغلب عليها بسهولة، ويتمثل التحدي الحقيقي في السيطرة علي تلك القوي من خلال توفير الحماية القانونية والأمن لشعوب المنطقة، وهو ما يعد حجر الأساس لكل الاقتصادات الناجحة.
وبالعودة إلي الحدث الذي كان بمثابة الحافز الرئيسي لما عرف فيما بعد بالربيع العربي، المتمثل فيما قام به محمد البوعزيزي، المواطن التونسي، من إحراق نفسه في يناير 2011، احتجاجا علي مصادرة بضاعته، ووفقا لتقديرات المعهد فإن أكثر من مئتي مليون مواطن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعتمدون في دخلهم علي إدارة مشروعات صغيرة أو الاستحواذ علي ممتلكات دون أي غطاء قانوني في إطار الاقتصاد غير الرسمي.
وقد تبين أن الـ 63 مواطنا، الذين أقدموا علي إضرام النار بأنفسهم، كانوا جميعا يمارسون أنشطة اقتصادية خارج إطار القانون، كما تبين أن دافعهم الأساسي للإقدام علي هذا الفعل كان اقتصاديا بحتا، ولم يكن وراءه دافع سياسي أو أي دوافع أخري، فعلي سبيل المثال، أفادت مالكة عقار مغربية تدعي فدوي لاروي أنها تحتج بشدة ضد الإقصاء الاقتصادي، وكان ذلك قبل دقائق من إشعال النار في نفسها أمام مبني البلدية في الثالث والعشرين من فبراير عام 2011، كما صرح شقيق البوعزيزي، بأن شقيقه أحرق نفسه لإيمانه بأن «الفقراء أيضا لهم الحق في البيع والشراء».
وعندما حسبنا قيمة ممتلكات تجارة البوعزيزي التي تمت مصادرتها، وجدنا أنها تبلغ 225 دولاراً فقط ولم يكن يتمتع بأي حقوق للملكية نهائيا، لذلك فإن الأضرار أبعد ما تكون عن أنها مالية فقط، ولأن البوعزيزي لم يكن محميا بموجب القانون، فإن قدرته علي مزاولة العمل لم تكن تعتمد علي حقوق قابلة النفاذ وإنما علي أهواء السلطات المحلية.
أجري معهد الحرية والديمقراطية دراسة استغرقت خمس سنوات لتحديد مدي اتساع الفجوة بين الممتلكات المسجلة، والحجم الحقيقي للممتلكات في القطاعات التي تشمل المصانع والسيارات والأراضي، وذلك بموجب العقد المبرم مع الحكومة المصرية والممول من الوكالة الامريكية للتنمية الدولية، وتبين أن 82% من حجم التجارة و92% من حيازات الأراضي غير مسجلة، وبالتالي غير محمية بموجب سيادة القانون، ونشير إلي تلك المساحة الضخمة من الأنشطة الإنسانية بالأصول والمعاملات التي تعمل خارج إطار القانون.
ففي تونس وحدها، نجد أن 85% من المشروعات التي تقدر قيمة استثماراتها بنحو 22 مليار دولار تمثل مشروعات تعمل خارج إطار القانون، كما أن قيمة العقارات التي لا تتمتع بأي حقوق لحماية الملكية تقدر بنحو 93 مليار دولار إضافية، مما يعني أن هناك ما قيمته 115 مليار دولار من الاستثمارات تعمل خارج إطار القانون، وهذه الاستثمارات تقدر بما يوازي أحد عشر ضعفا من مجموع رأس مال سوق الأوراق المالية في تونس عام 2010 وأربعة أضعاف حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في تونس منذ عام 1976.
وقد قدرنا قيمة الاقتصاد المصري الذي يعمل خارج إطار القانون بـ350 مليار دولار أي اكثر من ستة اضعاف قيمة الاستثمارات الاجنبية المباشرة في مصر منذ رحيل قوات نابليون عام 1801 ابان الاحتلال الفرنسي.
لقد نشر معهد الحرية والديمقراطية هذه النتائج، وناقشها عبر البرامج التليفزيونية والإذاعية، وكذلك في مؤتمرات اقتصادية بجامعات دول شمال أفريقيا التي تشهد «سيولة ثورية»، كما أطلق علي تلك الاضطرابات التي صاحبت وتبعت ثورات الربيع العربي، وهناك بالفعل علامات مبشرة للمضي قدما بمساعدة الحكومة التونسية، فعلي سبيل المثال، قام المعهد بالتعاون مع « اتيكا » – وهي منظمة تمثل نحو 300 ألف رجل أعمال يعملون في إطار القانون- علي العمل من أجل إحياء حقوق الملكية، وفي كل الأحوال، فمن غير المتوقع أن ينحسر الغضب الشعبي التونسي حتي يري أفراد الشعب إصلاحات جادة وحقيقية تحمي ثمار جهدهم.
ولكن هل يدرك الغرب ذلك؟ فإن ثمن سوء فهم أسباب استمرار عدم الاستقرار في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا كبير، فالولايات المتحدة وحلفاؤها يخاطرون بفقدان فرصتهم بترميم الأنظمة التي خلقت الفقر والغضب الذي نما وازدهر من خلالها القاعدة وأمثالها، فإذا ركز الغرب مساعداته واستشاراته علي الجهود الرامية إلي إنشاء حماية قانونية لحقوق الملكية والاعمال التجارية الخاصة ستجد جمهورا متحمسا ومعجبين جددا بالملايين.
بقلم: هيرناندو دي سوتو
المصدر: دايلي نيوز إيجيبت








