مما لا شك فيه أن الصين تفرط في إصدار العملة، ولكن من الصعب تحديد طبيعة الاستراتيجية التي تتبعها الحكومة للسيطرة بطريقة أكثر فاعلية علي حجم السيولة الهائلة المتدفقة في جسد ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ويعتبر العقد الماضي العصر الذهبي للنمو المرتفع والتضخم المنخفض في الصين، فمنذ عام 2003 حتي عام 2012، كان متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في الصين 10.5%، في حين ارتفعت الأسعار بنسبة 3% فقط سنويا، ولكن تظل السرعة غير المسبوقة في التوسع النقدي وحجم السيولة في الصين أمراً مقلقاً، لأن هذا قد يؤدي إلي ارتفاع التضخم وظهور فقاعات أسعار الأصول خصوصا في القطاع العقاري والقطاع المالي فضلاً عن مخاطر نمو الديون المرتفعة أصلاً في القطاع الخاص، وهروب رأس المال إلي الخارج.
يشكل الإصدار الاقتصادي المكثف للنقود في الصين عاملاً رئيسياً في دفع المعروض النقدي لديها إلي النمو، ولكن الارتفاع الحاد الذي سجله معدل طباعة النقود في الصين لا يمكن الحكم عليه في مقابل المعدلات المرتفعة الثابتة لدي الدول المتقدمة من دون أن نضع في الاعتبار أن عملية إصدار النقود في الصين بدأت في وقت متأخر عنها كثيراً، وتتسم بأسس هيكلية ومؤسسات متميزة.
عندما بدأت الصين في الانفتاح الاقتصادي وتعميق الإصلاحات وأصبحت موجهة نحو اقتصاد السوق علي نحو متزايد، عملت الحكومة علي تيسير التسييل المستمر للموارد -بما في ذلك الموارد الطبيعية، واليد العاملة، ورأس المال، والتكنولوجيا- من خلال ضمان تسلمها بشكل ثابت إلي السوق، مما غذي ارتفاع الطلب علي العملة، الأمر الذي أدي إلي اتساع القاعدة النقدية وزيادة المعروض النقدي.
ومع اعتماد الناتج المحلي الإجمالي بشكل متزايد علي الاستثمار الذي تقوده الحكومة، فقد استمر الطلب علي العملة في الارتفاع، وفي الواقع يعمل التوسع السريع في الائتمان المصرفي اللازم لتمويل الاستثمار الحكومي الذي ارتفعت معدلاته إلي عنان السماء علي زيادة كم السيولة في النظام المالي الصيني، ونتيجة لهذا فقد تضاعف المعروض النقدي في الصين في السنوات الأربع الماضية، بفضل حزمة التحفيز التي بلغت 4 تريليونات يوان في عامي 2008 و2009.
ويتفاقم هذا الاتجاه بفعل انحدار كفاءة الموارد المالية في القطاع الحكومي وهو نتاج وفرة رأس المال الرخيص الذي يسهل الوصول إليه، وبالتالي فإن الحفاظ علي معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي يتطلب حجماً متزايداً من الائتمان ومعروضا نقديا ينمو بشكل مستمر ولذلك أصبحت الصين عالقة في حلقة مفرغة من انتاج العملة حيث يشجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الاستثمار، وهو ما يعزز بدوره الطلب علي رأس المال وهذا من شأنه أن يولد السيولة التي تعمل بدورها علي تحفيز نمو الناتج المحلي الإجمالي.
ويكمن مفتاح السيطرة علي التوسع النقدي في الصين في توضيح التأثير المتبادل بين العملة التي يديرها البنك المركزي والتمويل الخاضع لظروف القطاع المالي، وبالتالي منع الحكومة من القيام بدور هيئة ثانية لخلق العملة. من الناحية النظرية فإن القطاع المالي يعمل كمحاسب للخزانة والحكومة، في حين يلعب بنك الشعب الصيني دور أمين صندوق الحكومة، ولكن من الناحية العملية.
ويعد نجاح الحكومة في تنظيم العلاقة بين العملة والقطاع المالي ضرورة أساسية لضمان أن تكون كل العملة المطبوعة حديثا مدعومة بالأصول، ولن تتمكن الصين من معالجة مسألة الإفراط في إصدار العملة في الأمد البعيد إلا من خلال فرض قيود ميزانية أكثر صرامة علي قطاع الدولة، والحد من التوسع المالي، وتقليل الاعتماد علي الاستثمار الذي تقوده الحكومة.








