إن الحكام الذين حكموا مصر علي مر العصور ربما كان لديهم جاذبية سياسية ولكنهم فشلوا جميعاً في تحويل أكثر البلاد العربية تكدسا بالسكان إلي مكان حيوي اقتصادياً وقادراً علي المنافسة العالمية.
وبعد مرور ما يقرب من عام علي تولي محمد مرسي الرئاسة، لا يوجد هناك دليل علي أنه سيحقق نجاحا أكبر مما حققه القادة التاريخيون أمثال محمد علي وجمال عبد الناصر وأنور السادات لإصلاح الدولة التي أصبحت ريعية الجوهر.
في حين أن مصر تعد واحدة من أكثر الاقتصادات تنوعًا في المنطقة إلا أنها أصبحت موجهة لمدخري الأموال مثل أي دولة خليجية أو أفريقية غنية بالبترول، فمصر ليست الدولة الأولي التي تأتي إلي أذهاننا عند التفكير في الدول الريعية نظراً لتنوع اقتصادها، إلا أنها تعد استثنائية في الطرق المتعددة المستخدمة في استخراج الإيجارات، حيث إن إيرادات قناة السويس وصادرات البترول والغاز والمعونة الأجنبية وتحويلات المصريين الذين يعيشون في الخارج تعد جميعها ريعية، أي أن الموارد التي لديها القليل لتفعله حيال القدرة التنافسية لاقتصاد البلاد أو انتاجية الشعب تمثل أكبر مصادر العملة الاجنبية في البلاد.
إن الجانب الآخر من الإيراد المصري هو المحسوبية، ولها أشكال عديدة، أولا: هناك وظائف القطاع العام، فمع ستة ملايين موظف أي ما يعادل ثلث القوي العاملة التي تستهلك رواتبهم ربع ميزانية الدولة، نجد أن مصر لديها واحدة من اكبر المنظومات البيروقراطية في العالم ولكنها غير فعالة.
ثانيا: هناك دعم الغذاء والوقود، حيث يشكل هذين الاثنين معا ربع آخر من ميزانية الدولة، وقد زرعت بذرة الدولة الريعية الحديثة في مصر في ظل اقتصاد عبد الناصر الاشتراكي، وازدهرت في ظل التحرر الاقتصادي في عهد خلفائه.
وكان النموذج بسيطًا، فما كانت تجمعه الدولة من ريع، كانت تستخدمه لتقديم النظام المكافآت مقابل طاعة الشعب، والأشياء التي لم يكن من الممكن شراؤها كانت تترك لعصا الاستبداد.
ولكن بعد ستين عاماً من الاستقلال المصري أصبح سجل أهداف هذا النموذج بائسًا، حيث يعيش 40% من السكان باقل من 2 دولار يوميا، ويعاني ثلث السكان من الجهل، وربع الشباب عاطل عن العمل، بالاضافة إلي ذلك تحتل مصر المرتبة 109 من أصل 185 دولة في سهولة ممارسة الاعمال التجارية بعد مرور أربعين عاماً علي الانفتاح الاقتصادي، وذلك وفقا للبنك الدولي، كما تحتل البلاد المرتبة 107 من أصل 140 دولة في القدرة التنافسية العالمية، وذلك وفقا لمنتدي الاقتصاد العالمي.
في ظل غياب نموذج نمو اقتصادي حقيقي وشامل من شأنه أن يولد حركة صعود مستمر للمجتمع ككل وملايين من فرص العمل ذات الرواتب الجيدة ودخول ما بين 800 الف شخص جدد إلي السوق كل عام، يعد سقوط الدولة الريعية أمراً حتمياً.
هذا هو الدرس الأهم الذي لم يستوعبه الرئيس مرسي بعد، فقد تعامل هو وجماعة الإخوان المسلمين منذ توليه الحكم منذ عشرة أشهر كما لو كان من الممكن استعادة النموذج القديم مع وجودهم علي رأس الدولة عن طريق جني الأرباح وإعادة توزيع الفوائد.
إن الرئيس مرسي والإخوان المسلمين لديهم خياران، إما أن يوجهوا دفة السفينة المصرية بعيدًا عن الرحلة التي استمرت لمدة ستين عامًا إلي رحلة جديدة ومثيرة يشارك فيها جميع المصريين علي متنها، أو أنهم يشاهدون السفينة تغرق.
بقلم: أشرف سويلم
المصدر: فاينانشيال تايمز







