بعد أن أسقط صاروخ سوفيتي طائرة كورية جنوبية اخترقت الاجواء الروسية في عام 1983 بطريق الخطأ قرر الرئيس الأمريكي رونالد ريجان اتاحة الحصول علي نظام تحديد المواقع بالاقمار الصناعية «جي بي إس» لكل دول العالم وهو ما كان له أثار إيجابية جداً علي الجانب الاقتصادي بالنسبة لكثير من الشركات، كما أن نشرة اخبار الطقس وما تحتويه من معلومات يتم الاعلان عنها يومياً يؤثر علي حياة الناس بداية من العاملين في قطاع التامين حتي بائع المثلجات.
لكن هذا لم يعد كافياً في القرن الحادي والعشرين ففي 9 مايو الجاري أمر الرئيس الامريكي باراك أوباما بجعل جميع المعلومات والبيانات الحكومية مهما كان نوعها متاحة للعامة مجاناً بدون أن يخرق ذلك حقوق الملكية والمعلومات السرية أو يؤدي لضرر بالأمن القومي.
وقال أوباما إن العلنية والوصول إلي المعلومات هو المبدأ السائد للتعامل مع المعلومات الحكومية.
وأكد تقرير لمجلة الإيكونوميست البريطانية ان هذه البيانات من حيث حجمها وطبيعتها سوف تمثل انفجاراً كبيراً مؤثراً علي جميع القطاعات الاقتصادية التي تتعامل عادة مع تقديرات الخبراء والمستشارين في المؤسسات المختلفة التي قد لا تكون دقيقة دائماً.
وأشار التقرير إلي أن تدفق المعلومات بهذه الصورة الهائلة سوف يحفز كثير من الأنشطة فمثلا الكشف عن البيانات الدقيقة لنسبة التلوث في المناطق المختلفة سوف يؤثر في الطلب علي أسعار العقارات في الاحياء الاكثر تلوثا بالسلب وبالايجاب علي الأحياء الأقل تلوثاً.
كما أن المطاعم سوف تضطر لمراجعة تقييمات الالتزام بمعايير الصحة والآمان في عملها حرصاً علي نشر بيانات جيدة عنها كما أن معلومات مأموريات الضرائب سوف تحدد تكلفة أسعار اللوحات الاعلانية تقريباً.
وعلاوة علي ذلك فإن تدفق المعلومات من أكثر من مصدر سوف يعطي نظرة حديثة لمعظم الاحداث دون اللجوء إلي بيانات قديمة لتوقع حركة مؤشرات معينة في المستقبل القريب كما أن توقعات المستقبل البعيد سوف تكون أكثر دقة.
فمثلا الربط بين معلومات المدرسة ووسائل النقل وعائدات الضرائب سوف تكشف عن اعتماد الأداء الأكاديمي علي مستوي الدخل أقل من اعتماد الآباء علي حجم الوقت المتاح للجلوس مع صغارهم المزعجين.
وعلي مدار الأشهر الخمس المقبلة فإن الوكالات الفيدرالية يجب عليها إعداد مخزونات المعلومات ووضع أولوية نشرها كما أن عليها أيضاً عدم نشر معلومات يمكن أن تخرق حقوق الملكية المشتركة مع أي طرف آخر حتي لو لم يكن هناك ضرر متوقع من نشرها وهي مسألة لن تكون سهلة.
وقد تحركت دول كثيرة في هذا الاتجاه، ففي أوروبا تبيع الحكومة معلومات وبيانات تدر عائداً سنوياً بنحو 140 مليار يورو أي ما يعادل 180 مليار دولار.
وتعتبر بريطانيا من الدولة الأوروبية الوحيدة التي سارت في نفس طريق الولايات المتحدة بإتاحة البيانات مجاناً للجميع، فقد طلبت الحكومة نشر جميع صفقاتها مع المواطنين علنية لكن بعض الجهات تعارض هذا المستوي من الشفافية مثل هيئة البريد الملكية التي رفضت نشر قاعدة بيانات عناوينها البريدية لأنها تحصل علي أموال مقابل تقديم هذه البيانات إلي الشركات.
وفي 15 مايو الجاري أدان تقرير دوري لمراجعة نشاط تداول المعلومات هذه الرفض مؤكدا أن المعلومات الخاصة بالأماكن الحكومية العامة يجب أن تكون متاحة للعامة.
قالت مؤسسة روفوز بولوك للمعرفة العامة وهي مؤسسة بحثية، إن معظم الشركات والأنشطة التجارية تستخدم البيانات الحكومية في عملها مضطرة بسبب حيوية المعلومات المتاحة وتأثيرها علي قراراتها الاستثمارية.
وتشير مجلة الإيكونوميست إلي أن حجم تأثير وضع البيانات الحكومية بطريقة علنية سيبقي لغزاً لا يمكن معرفة اجابته فعندما اتخذ ريجان قراره لم يكن يعلم تأثير ذلك علي عالم السيارات الذي اصبح نظام الـ «جي بي إس» جزءاً أسياسياً في صناعته بحيث يمكن الآن صدور صوت آلي من السيارة يأمر السائقين بالدوران لليسار للوصول لوجهتهم.