ستظل مؤشرات الربحية التي سجلتها البنوك خلال العام الماضي دليلاً علي ما يمكن للبنوك أن تحققه في أوقات الأزمات، لكنها في نفس الوقت ستظل تحدياً بالنسبة لقياداتها خلال العام الحالي.
فقد كانت معدلات الربحية التي سجلتها البنوك خلال العام الماضي مبهرة بالقياس إلي ما تمر به البلاد من تردي اقتصادي وغياب للاستقرار السياسي، لكن العام الماضي انتهي ورحل معه عدد لا يستهان به من قيادات البنوك التي ساهمت في تحقيق تلك النتائج القوية.
وسيتعين علي من جاء بعدهم أن يحافظ علي معدلات الربحية تلك، أو حتي يعمل علي زيادتها، لكن التحدي قد لا يكون سهلاً هذه المرة، وقد يصعب تحقيق ذلك إذا ما تراجعت العوائد علي أدوات الدين الحكومي.
ومع ذلك فإن قيادات البنوك وإداراتها الراهنة أمام تحد لا تحسد عليه في ضوء التغيرات السياسية والاقتصادية التي طرأت مؤخرا علي الساحة، مما يثير العديد من التساؤلات حول مدي قدرتهم علي التكيف وإدارة استراتيجياتهم مع سياسات وقرارات متوالية يقرها البنك المركزي من جهة والحكومة من جهة أخري لملاحقة الوضع الاقتصادي والمالي المتأزم، فضلاً عن فرض التيارات والجهات السياسية لأدوات مالية وسياسات اقتصادية قد تفاقم الوضع الحالي.
ويمكن الجزم بأن النتائج الجيدة التي حققتها البنوك وساهمت في صمود القطاع المصرفي خلال العامين الماضيين هي استنزاف للمؤشرات الاقتصادية والمالية الجيدة التي عهدها الاقتصاد خلال فترة تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي لاسيما المصرفي الذي بدأ منذ عام 2003، وهو ما حصن البنوك من الهزات المالية المحلية والعالمية، ولكن ناقوس الخطر بدأ في دق أجراس الإنذار مع اقتراب تدهور تلك المؤشرات الداعمة وان لم ينتبه الجميع من قيادات اقتصادية وسياسية والقائمين علي اتخاذ القرارات أن النتائج ستكون غير محمودة وبلا رجعة.
ومعروف أن جزءاً كبيراً من أرباح البنوك خلال العامين الماضيين نتاج توسع البنوك في استثمارات أدوات الدين الحكومي وعوائدها المرتفعة التي كبدت الموازنة العامة للدولة مزيداً من التكاليف والأعباء، وهو ما يعني عملياً التضحية باستدامة النمو، فالفائدة علي أدوات الدين الحكومي لن تظل مرتفعة إلي الأبد، كما أن الأذون أداة قصيرة الأجل، وعند تراجع أسعارها فإنها قد تكبد مؤشرات نمو الربحية في البنوك الكثير.
وتظهر مؤشرات البنوك عن العام الماضي تراجعاً في عدد كبير من محافظ القروض في البنوك، بالرغم من كونها الأداة الأكثر استدامة في تحقيق النمو، والأداة الأنسب لتشغيل الودائع.
ويتعلل عدد كبير من البنوك بضعف الطلب علي القروض، وارتفاع مخاطر الاقراض، غير أن البلد الذي يعيش فية أكثر من 80 مليون نسمة، لا تنعدم فيه فرص الاقراض الآمن وبخاصة في القطاعات التي لا يتوقف الطلب فيها مثل القطاعات المرتبطة بالنشاط السكاني، لكن الاستسهال تسبب في التأثير علي فرص تلك القطاعات في الحصول علي تمويلات منخفضة التكلفة.
وسنظل في انتظار الآليات البديلة والاستراتيجيات المبتكرة من قيادات القطاع المصرفي لاثبات مدي قدرتها علي تحقيق نمو وربحية أكثر استدامة.