الدبلوماسية في غياب تهديد حقيقي باستخدام القوة مجرد كلام فارغ
المسئولين في الولايات المتحدة يزعمون أن الأتراك ليسوا في واقع الأمر علي استعداد للقيام بأي شيء
مع محاولة الولايات المتحدة وروسيا التوسط عقد المؤتمر الذي قد يأتي بالأطراف المختلفة في الصراع السوري إلي طاولة المفاوضات، فيتعين علي المشاركين المحتملين من الغرب علي الأقل أن يفكروا في العواقب الأكبر التي قد يجلبها الصراع السوري علي الطغاة والديمقراطيات في مختلف أنحاء العالم، وها هي الدروس المستخلصة حتي الآن: يساعد الأشرار أصدقاءهم، فالروس والإيرانيون علي استعداد للقيام بكل ما يلزم لإبقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، أما حزب الله، الذي تدعمه إيران، فقد انتقل الآن علنا إلي ساحة المعركة لدعم نظام الأسد، وتمد روسيا وإيران الحكومة السورية بالأسلحة الثقيلة وغير ذلك من المساعدات العسكرية، بما في ذلك شحنات روسية من الصواريخ المتطورة المضادة للسفن مع أنظمة رادار متقدمة.
تعد الدبلوماسية في غياب تهديد حقيقي باستخدام القوة مجرد كلام فارغ، «تكلم بلطف واحمل عصا غليظة»، تلك كانت نصيحة الرئيس الامريكي الأسبق تيودور روزفلت، ولكن استراتيجية أوباما حيال سوريا تبدو وكأنها تسير علي مبدأ «تكلم بصوت عال وألق عصاك بعيداً»، فقد أوضح أوباما مرارا وتكرارا أنه ليس له مصلحة في التدخل العسكري في سوريا، وكيف كان رد الولايات المتحدة علي أحدث شحنة صواريخ روسية؟ قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: «أعتقد أننا أوضحنا تماما أننا نفضل أن تتوقف روسيا عن تقديم المساعدة».
إذا كنت حاكما مستبدا تواجه احتجاجات سياسية مستمرة، فكن وحشيا قدر الإمكان وحرض علي القتل الطائفي، فمنذ شهر مارس إلي ديسمبر 2011، يخرج مئات الآلاف من السوريين كل يوم جمعة في مسيرات، للمطالبة بنفس التحرر السياسي الذي سعي إلي تحقيقه التونسيون، والمصريون، واليمنيون، والبحرينيون، والأردنيون، وغيرهم في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إطار ما أطلق عليه تفاؤلا «الربيع العربي»، ولكن ما حدث هو أن شرطة مكافحة الشغب وقناصة الحكومة أطلقوا عليهم في الشوارع، إلي أن بدأوا أخيرا في تشكيل ميليشيات محلية صغيرة للحماية الذاتية، وهي الميليشيات التي تحولت تدريجيا إلي اتحاد طليق غير منضبط من القوات التي أصبحت تعرف الآن باسم الجيش السوري الحر.
وفي الوقت ذاته، كان الأسد يصف العنف باعتباره من إنتاج الإرهابيين والمتطرفين السُنّة الذين يسعون إلي فرض سيادتهم علي الأقلية العلوية، والدروز، والأكراد، والمسيحيين، وغير ذلك من الجماعات، وعمل بدأب علي تأجيج نيران الحرب الأهلية الطائفية، فنجح إلي الحد الذي أصبح الآن السبب الرئيسي في عدم التدخل لوقف القتل وهو استحالة القيام بذلك بشكل فعّال في بيئة من العنف الطائفي.
لا تزال المنظمات الإقليمية عاجزة عن حل المشاكل الإقليمية قيادة قوة عظمي، فقد كانت تركيا تهدد وتدعو إلي التحرك العسكري علي مدي ثمانية عشر شهرا، ولكن المسئولين في الولايات المتحدة يزعمون أن الأتراك ليسوا في واقع الأمر علي استعداد للقيام بأي شيء سوي تقديم المساعدات للاجئين ومقاتلي المعارضة، وترسل قطر والمملكة العربية السعودية أيضا الأسلحة إلي جماعات المعارضة السورية، ولكن جامعة الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي مصابان بالشلل.
المعاناة الإنسانية، حتي وإن كانت علي نطاق هائل وبدرجة مزعزعة للاستقرار، لا تكفي لدفع العالم إلي التحرك، فالتدخل الإنساني كثيرا ما يوصف بأنه يعكس اهتماما أخلاقيا، ولكن كم قد يستغرق الأمر من حروب قبل أن ندرك أن القتل دائما ما يجلب المزيد من القتل؟ إن من يشاهدون ذبح أبنائهم وآبائهم، واغتصاب زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم، والتدمير الوحشي لمساكنهم وسبل معيشتهم لا ينسون، بل إنهم يحملون بذرة الانتقام في قلوبهم من جيل إلي جيل، إلي أن يشهدوا قدرا من العدالة، فيرعون عداوتهم في صراعات مجمدة تعيق النمو الاقتصادي، وتمنع تكوين رأس المال الاجتماعي، وتصيب المؤسسات السياسية بالشلل.
وعندما لا يكون لدي أي طرف في حرب سبب للتوقف عن القتال، فلن ينجح أي مؤتمر سلام، وفي سوريا، تتلاقي كل الحجج الأخلاقية والاستراتيجية والسياسية لصالح اتخاذ تحرك حاسم لوقف القتل، ولكن إذا لم نسترشد بدروس العامين الماضيين، فلن تتوقف عجلة العنف.
بقلم: آني ماري سلوتر
المصدر: بروجيكت سينديكيت








