بقلم: سيريل فابر ويسار جرار
في حين يشهد اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي انتعاشاً كبيراً من الأزمة المالية العالمية، إلا أن القطاع الصناعي لا يزال غير قادر على استعادة زخمه بالكامل. وقد عانى هذا القطاع كثيراً من جراء الركود الاقتصادي في العام 2009، حيث انخفضت عائدات الشركات الصناعية في دول المجلس باستثناء البتروكيماويات بنسبة 11%. لكن عندما أخذ هذا القطاع بالتعافي محققاً نمواً بنسبة 15% في العام 2011، كانت بعض الصناعات الرئيسية لا تزال ضعيفة الأداء، حيث فشلت صناعات المعادن ومواد البناء والآلات في العودة إلى مستويات ما قبل الركود.
ويبقى معدل النمو القطاع الصناعي في دول الخليج العربي، اقل من دول اخرى، حيث تبلغ حصة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة 10% بالمقارنة مع 30% في الصين و27% في كوريا و27% في سنغافورة و17% في ألمانيا و19% في اليابان و16% و15% في مصر والهند على التوالي. ولا تعتبر الصناعة في دول مجلس التعاون الخليجي قطاعاً صغيراً نسبياً فحسب، بل لا تزال أيضاً تعتمد بشكل كبير على الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة، والتي تمثل أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للصناعة. وتقوم الشركات المملوكة بالدولة بتوفير الجزء الأكبر من الإنتاج الصناعي.
هل حان الوقت لتبني نموذج جديد في مجال الصناعة
يعد هدف حكومات دول مجلس التعاون الخليجي في مضاعفة حصة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي في غضون عشر سنوات، هدفاً طموحاً للغاية. ولتحقيقه، فإن الناتج المحلي الإجمالي الصناعي بحاجة إلى تحقيق نسبة نمو تزيد على 13% لمدة عشر سنوات وذلك على غرار الأداء الاستثنائي للصين خلال العقد الماضي.
ولفهم ما الذي يلزم لتطوير القطاع الصناعي في المنطقة، قمنا بإجراء عدة لقاءات مع عدد من المدراء التنفيذيين في دول مجلس التعاون الخليجي وخارجها، بالإضافة إلى الهيئات الحكومية، كما قمنا بتحليل بيانات السوق ودراسة أداء الشركات في مختلف أنحاء المنطقة. ومن بين الاستنتاجات التي وصلنا إليها هو أن دفع عجلة نمو القطاع الصناعي وتحقيق النتائج الاجمالي الاقصى للصناعة يتطلب وجود نموذج صناعي جديد. كما أن الاستمرار في دعم تطوير الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة من خلال الاستثمار على نطاق واسع من قبل الشركات المملوكة للحكومة يعد أمراً ضرورياً لكنه لن يكون كافياً. وتحتاج حكومات دول مجلس التعاون الخليجي كذلك إلى تطبيق سياسات وممارسات جديدة من شأنها أن تسهل عملية تطوير القطاع الخاص لصناعات ثانوية كبيرة مثل الآلات والمعدات أو منتجات الألمنيوم النهائية.
ستحتاج حكومات المنطقة في النموذج الصناعي الجديد إلى آداء دور رئيسي كحاضنات لعملية التحول، حيث يتوجب عليها دعم النمو من خلال قيادة المشاريع ذات رأس المال المرتفع والإستهلاك الكثيف للطاقة والتي لا يمكن تنفيذها من قبل جهات أخرى، في حين تمكّن في الوقت نفسه القطاع الخاص من الاستفادة من الفرص المتاحة في القطاعات الأخرى.
الوصول إلى الموارد الحيوية
يتعين على حكومات المنطقة لتشجيع هذا النمو، أن تضمن وصول مستثمري القطاع الخاص إلى ستة موارد حيوية هي الطاقة والمواد الخام ورأس المال والأسواق والتكنولوجيا والمواهب. ووفقاً لأبحاثنا، حددنا عدة مبادرات رئيسية يمكن أن تعزز من فرص الوصول إلى هذه الموارد والمساعدة في تحويل دول مجلس التعاون الخليجي إلى قوة صناعية.
الحصول على الطاقة- مع تزايد الإنتاج، يمكن أن يرتفع الطلب المحلي على الطاقة بأكثر من الضعف بحلول العام 2030. ويمكن أن يشكل تلبية هذا المطلب دون الحد من صادرات النفط والغاز تحدياً كبيراً. وللتغلب على ذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي ستحتاج إلى زيادة وتنويع إمدادات المنطقة من الطاقة، بالإضافة إلى تحسين مستويات الكفاءة في استهلاك الطاقة والحد من الهدر في معدلات استهلاك الطاقة على المستوى المحلي.
الحصول على المواد الخام للصناعات النهائية- لا يتم تحويل سوى 20% من الألمنيوم و15% من الكيماويات المنتجة في المنطقة إلى منتجات نهائية محلياً مثل إطارات نوافذ الألمنيوم أو العلب البلاستيكية. ويقتصر تطوير الصناعات النهائية في المنطقة على مجموعة محدودة من المنتجات الأولية، فضلاً عن الأسعار غير التنافسية نسبياً التي يتم تقديمها لشركات الصناعات النهائية المحلية. فعلى سبيل المثال، وذلك بسبب حجمها الكبير، يمكن أن تشتري شركات تصنيع البلاستيك الصينية المواد الكيماوية من المنتجين في دول مجلس التعاون الخليجي بأسعار أقل من الشركات الخليجية. لذلك، يتوجب على حكومات دول مجلس التعاون أن تشجع منتجي المواد الأولية لتوفير المزيد من الحوافز والدعم التقني والتسويقي لشركات تصنيع المواد النهائية على المستوى الإقليمي.
حصول شركات التصنيع الخاصة على رأس المال- على الرغم من وفرة السيولة في المنطقة، فإن عملية الحصول على قروض يمكن أن تشكل تحدياً للشركات الصناعية، وخاصة في دول مثل قطر والإمارات والكويت وعُمان. فعلى سبيل المثال، منح البنك الدولي دول مجلس التعاون الخليجي تصنيفاً منخفضاً فيما يتعلق بـ “سهولة الحصول على الائتمان”، حيث تتراوح مكانة دول مجلس التعاون الخليجي بين المراتب 48 و100 من بين 183 دولة. ولتحسين فرص الحصول على رأس المال، ينبغي على هذه الدول تطوير نظم مالية صناعية مشابهة لصندوق التنمية الصناعية السعودي.
وصول منتجات دول مجلس التعاون الخليجي إلى الأسواق الإقليمية- يعد استبدال الواردات مع السلع المنتجة محلياً مسألة صعبة نظراً لحجم السوق الصغير نسبياً لكل دولة من دول المجلس. وبالنسبة للعديد من المنتجات، يحتاج المستثمرون إلى استهداف أسواق إقليمية أوسع من أجل تبرير إقامة المصانع. إلا أن العوائق التجارية مع دول الشرق الأوسط تقيد هذه الصادرات. وحدد بحثنا إجراءين رئيسيين يمكن أن تقوم بهما دول مجلس التعاون الخليجي من أجل التغلب على هذا العائق، حيث يتمثل الإجراء الأول في تطبيق سياسات تقدم فوائد لسوق أكثر تكاملاً في دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة ككل، على غرار تجمع الميركسور في أمريكا الجنوبية. أما الإجراء الثاني فيتمثل في تطوير برامج محلية تعطي بعض الأفضلية في المناقصات العامة إلى منتجات “صنع في دول مجلس التعاون الخليجي” بدلاً من المنتجات المستوردة.
الحصول على التكنولوجيا والمواهب- إن تسهيل الحصول على الطاقة والمواد الخام ورأس المال والأسواق سيعزز بلا شك من فرص الشركات الصناعية المحلية. إلا أن هذه الشركات بحاجة أيضاً إلى التكنولوجيا والقدرات للاستفادة من هذه الفرص على أكمل وجه. وقمنا بتحديد ثلاثة مبادرات حكومية من شأنها أن تعزز من قدرات الشركات الصناعية المحلية، حيث تتمثل المبادرة الأولى في تفويض أقسام المشتريات في الشركات الحكومية الكبرى لتطوير قدرات قاعدة مورديها المحلية من خلال توفير الدعم التقني وعقود المشتريات طويلة الأمد. أما المبادرة الثانية فتتمثل في استقطاب شركات التصنيع الأجنبية لملء الثغرات في قاعدة الموردين الحالية. كما أن السماح بالملكية الأجنبية بنسبة 100% في هذه الأنشطة يعد أحد أهم عوامل النجاح. وتتمحور المبادرة الثالثة في تدعيم برنامج التدريب المهني للمساعدة في تطوير قوى عاملة ماهرة للشركات المحلية.
وسوف تساعد هذه الخطوات الخمس دول مجلس التعاون الخليجي في بناء قطاع صناعي قوي قادر على المنافسة عالمياً. وعلى الرغم من أن ذلك سيستغرق بعض الوقت، بالإضافة إلى ضرورة وجود الإدارة الواعية، إلا أن النتيجة ستكون اقتصاداً أكثر تنوعاً ومرونة يجعل من شعار “صنع في دول مجلس التعاون الخليجي” علامة فارقة على المنتجات في مختلف أنحاء المنطقة.
سيريل فابر ود. يسار جرار هم شركاء في مكتب بين آند كومباني في دبي







