الاعتماد في توليد النمو علي الاستهلاك بدلا من الاستثمار ينهك الاقتصاد
أسبوع من احتجاجات غير مسبوقة في شوارع البرازيل علي نطاق واسع شهدت عنفا في بعض الاحيان جعل البرازيليين يشعرون بالقلق والأمل حيال مستقبلهم.
وبعد أيام من وصف مساعدي الرئيس ديلما روسيف للاحتجاجات بأنها ارتباك في الشوارع، حاولت روسيف تهدئة الامة يوم الجمعة الماضية من خلال خطاب تليفزيوني وعدت فيه بالعمل مع جميع الأحزاب والمحافظين ورؤساء البلديات لتحسين الخدمات العامة وإصلاح النظام السياسي الذي فقد مصداقيته، ولقد حاولت احتضان المتظاهرين بينما تتعهد باستعادة النظام العام ومنع تكرار أعمال التخريب والنهب في مختلف المدن والهجمات ضد المباني العامة التي هزت البلاد.
يري باولو سوتيرو في تحليل نشرته الفاينانشيال تايمز أن خطاب روسيف لم يؤت ثماره وتجاهل المتظاهرون تحذيرات الرئيس من أعمال العنف التي دمرت صورة البرازيل في الخارج واستمروا في التظاهر، وقال ثلثا المواطنين في ساوباولو ممن شملهم استطلاع الرأي إنهم يريدون استمرار المظاهرات، فبعد أن رأوا خفض رسوم وسائل النقل العام من خلال النزول إلي الشوارع، فهم الآن يريدون تعليماً ورعاية صحية افضل.
يغذي تلك الاحتجاجات العديد من المظالم بدءا من تردي نوعية الخدمات الصحية في الوقت الذي يتم فيه انفاق ملايين الريالات لبناء ملاعب كرة القدم إلي الاشمئزاز من الطبقة السياسية التي ينظر اليها علي انها فاسدة إلي حد كبير وتخدم مصالحها الذاتية، وتعكس المسيرات التي انطلقت في أكثر من مائة مدينة الشعور العميق بالسخط مع تباطؤ وتيرة التغيير في البلاد، وتنتشر تلك المشاعر بقوة بين شباب الطبقة الوسطي الذين خرجوا إلي الشوارع.
تكمن المشكلة بالنسبة لروسيف في أن نموذج النمو القائم علي الاستهلاك بدلا من الاستثمار، الذي استمر بعد سلفها ومعلمها لويس ايناسيو لولا دا سيلفا، أصبح منهكا للاقتصاد، فتوقف النمو الاقتصادي مع ارتفاع معدلات التضخم وتدهور الحسابات المالية والخارجية في بيئة عالمية صعبة كل ذلك يحد من قدرة روسيف علي ما يمكن ان تفعله، كما أنه لا يوجد مجال واسع للتفاوض بشأن الاتفاقات اللازمة لتحقيق الوعود التي أبرمتها مثل الاصلاح القومي لوسائل النقل الحضرية والاصلاح العميق اللازم لاحياء النظام السياسي القديم، ولا يمكن تحقيق هذه الوعود ايضا بنفس سرعة خفض رسوم الحافلات، كما ان بعض هذه الوعود كانت متناقضة حيث تم رفض خطة روسيف لجلب آلاف الاطباء الاجانب إلي البرازيل من أجل تحسين خدمات الصحة العامة من قبل ثلاث جمعيات وطنية رئيسية، فقد ذكروا الرئيس انه تم علاجها بنجاح من السرطان علي ايدي أطباء تم تدريبهم في البلاد.
علاوة علي ذلك تزيد مركزية روسيف في اتخاذ القرارات وافتقارها لسياسة مرنة من صعوبة الازمة ويعتبر حلفاؤها الآن ذلك جزءا من المشكلة.
من المفارقة ان الاستخدام الفعال للمنظمين والمتظاهرين للفيسبوك وتويتر والرسائل الفورية قد حشد ضغوطا شعبية ضخمة ضد الحكومة التي تفخر بتوسيع وصول الهواتف النقالة وخدمات الانترنت إلي ملايين الفقراء والطبقة المتوسطة.
كما أن تغيير مجلس الوزراء بما في ذلك الفريق الاقتصادي الذي فقد مصداقيته بقيادة وزير المالية جويدو مانتيجا الذي قد يتم تقديمه علي انه بداية جديدة يبدو انه امرا غير وارد، حيث إن هذه الخطوة قد يتم تفسيرها بأنها اعتراف بالمسئولية عن أداء البرازيل الاقتصادي المتواضع تحت رئاسة روسيف وفي هذه الحالة لن تفعل هذه الخطوة الكثير لتهدئة الشارع.
وقد أثار رد الرئيس المتأخر والمتواضع ايضا علي الاحتجاجات الشكوك حيال موقفها ولم يعد هناك اي شعور بحتمية اعادة انتخاب روسيف في الانتخابات الرئاسية المقبلة في اكتوبر 2014. والآن وحتي يتم تغيير النظام السياسي فإن زمن الأشكال التقليدية للوساطة قد انتهي وبدأ عهد الديمقراطية المباشرة.







