مصر في الاساس ديمقراطية غير ناضجة ولذا فان ديمقراطيتها معرضة للسرقة
يجب ان تعدل الدول عن وصفها لما يحدث بانقلاب أو معاقبة أو عزل مصر جراء ذلك
إن الأحداث تسير بشكل سريع جداً في مصر حتي إنه بات من الصعب تتبعها فناهيك عن تقييم ما يحدث، لكن هناك حاجة إلي تقييمها لأن ما سيقال وما سيحدث خلال الساعات والايام المقبلة سيكون حاسما بالنسبة لمصر والخارج.
طالما ما تحدث الرئيس المخلوع محمد مرسي عن شرعيته التي تنبع من فوزه في الانتخابات، ولكن ما فشل في ادراكه هو ان الشرعية في ظل النظام الديمقراطي تتجاوز صناديق الاقتراع، فالانتخابات ضرورية ولكنها ليست كافية، وقد اهدر مرسي شرعيته والفرصة التي كانت سانحة أمامه من خلال الطريقة التي حكم بها علي مدار العام الماضي، لذا احتج ضده ملايين المصريين لشعورهم بالإقصاء من المشاركة السياسية الفعالة وخوفهم من أن الانتخابات الحقيقية الاولي في مصر قد تكون الاخيرة.
والنقطة الاكبر المتعلقة بالديمقراطية تدور حول القيود بقدر ما تدور حول السلطة، فالاغلبية يحب ان تحمي الاقليات، ويجب ان تضع الحكومة حدودا للقيود التي تفرضها علي المواطنين والمجتمع والاقتصاد، مثل هذه الضوابط والتوازنات تأخذ وقتا حتي تتطور ويكون لها جذور راسخة، وتعد مصر في الاساس ديمقراطية غير ناضجة ولذا فان ديمقراطيتها معرضة للسرقة كما كان مرسي حريصا علي القيام بذلك.
لذلك تحرك الجيش، وسوف يطلق البعض علي هذا التحرك انقلابا عسكريا، ولكن هذا المصطلح غير دقيق، فهذا التدخل السياسي جاء ردا علي ازمة لم يكن الجيش هو المتسبب فيها، كما ان الاحداث الاخيرة لم تكن اغتصابا للسلطة من قبل الجيش المصري، حيث اظهر جنرالات البلاد بحكمة عدم رغبتهم في الحكم، حيث انهم اسندوا السلطة مؤقتا إلي السلطة القضائية ووضعوا جدول زمني للفترة الانتقالية.
لذلك يجب ان تعدل الدول عن وصفها لما يحدث بانقلاب أو معاقبة أو عزل مصر جراء ذلك، بل علي النقيض فان اولئك الذين حريصون لي مستقبل مصر يجب ان يشجعوا ويصروا علي هذا الانتقال السياسي الحقيقي وفقا لجدول زمني وتقديم المساعدات الاقتصادية -التي تعد البلاد في حاجة ماسة اليها خاصة مع سوء الادارة في الاونة الاخيرة- والبدء في تبني الاصلاحات
ينبغي الا يتم اقصاء الإخوان المسلمين من العملية السياسية حيث انهم يمثلون صوتاً مهماً جداً، فقد حصلوا علي اكثر من نصف الاصوات في الانتخابات الرئاسية عام 2012 ومن الافضل الاستماع اليهم سلميا في البرلمان بدلا من سماعهم بعنف في الشوارع، حتي ان هناك احتمالا بأنهم قد يفوزون في الانتخابات الجديدة، واذا حدث ذلك يجب الا ننكر عليهم فرصة الحكم، ونأمل ان يكون قادة الإخوان المسلمين الجدد تعلموا مما حدث لمرسي.
ويجب ان تدرك المعارضة من جانبها انها قد فازت بمعركة وليس حرباً، فقد تجلت قوة التظاهر مرة اخري ولكن هذا مختلفا تماما عن القدرة علي التنظيم وخوض الانتخابات والحكم اذا اتيحت لهم الفرصة.
نأمل ان يكون قادة المعارضة السياسية في مصر قد تعلموا بعض الاشياء خاصة وان المخاطر هائلة، فتحقيق التوازن في مصر لا يعني فقط حياة 85 مليون مصري والحفاظ علي السلام مع إسرائيل بل مستقبل العالم العربي بأكمله، فالربيع العربي الذي حمل مثل هذه الوعود اصبح الان يمثل خيبة امل كبيرة والطائفية والعنف والحكومات التي تفتقر القدرة أو الكفاءة أو الاثنين معا، وكما اوضحت مصر فان الاطاحة بنظام استبدادي ليس بالصعب ولكن الاصعب هو وضع نظاما افضل بدلا منه، فقد منح التاريخ المصريون هدية نادرة وهي الفرصة الثانية ونأمل ان يستغل المصريون تلك الفرصة افضل استغلال من اجل مستقبلهم ومن اجل العالم بأسره.
بقلم: ريتشارد هاس
المصدر: فاينانشيال تايمز