الرغبة في تقاسم مسئولية الحكم هي العامل الابرز الذي يفصل بين النجاح النسبي الذي حققته تونس وكارثة مصر
لكن الشخصيات والأساليب المتباينة للقادة، دفعت حزب النهضة والإخوان للتعامل بطريقة مختلفة في التفاوض الديني مع العلمانيين
بدأت ثورات الربيع العربي في تونس وامتدت في غضون اسابيع قليلة إلي مصر، والآن بعد عامين ونصف العام، أصبحت تونس قاب قوسين أو أدني من التصديق علي دستور ديمقراطي يحظي بتأييد ما يزيد علي ثلثي أعضاء الجمعية التأسيسية، ومصر كما يدرك العالم في خضم انقلاب اطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا، السؤال الواضح والضروري هنا ما هو الفرق بين البلدين؟ لماذا نجحت الديمقراطية الدستورية في احدي الدول العربية بشمال افريقيا وفشلت في أخري؟
قد تعتقد أن الاجابة لها علاقة بالإسلام، ولكن هذا غير صحيح، حيث أنتجت الانتخابات الديمقراطية الأولي في كل من مصر وتونس أغلبية لصالح الاحزاب الديمقراطية الإسلامية، فحزب النهضة، الحركة الاسلامية الذي فاز بالانتخابات في تونس، يعد مماثلا للاخوان المسلمين من الناحية الايديولوجية، حيث يؤمن كلا الحزبين بالمزج بين قيم الإسلام والممارسة الديمقراطية، وكلاهما وافق علي الدور السياسي للمرأة والمواطنة المتساوية لغير المسلمين، حتي إن كليهما متحفظان ويسعيان لأسلمة المجتمع تدريجيا.
ولكن الشخصيات والأساليب المتباينة للقادة، دفعت حزب النهضة والإخوان للتعامل بطريقة مختلفة في التفاوض الديني مع العلمانيين في بلادهم، فنجد أن راشد الغنوشي رئيس الحزب التونسي، يريد أن يتبني شعبه القيم الإسلامية ولكن التقوي لا تعني شيئًا إذا فرضت بالإكراه، ولكن منتقدي الغنوشي، سيقولون إن إهمال الشريعة من مسودة الدستور ما هو إلا تراجع تكتيكي، وليس أيديولوجياً، ولكن حتي لو أنهم علي حق فها هو سبب آخر وراء نجاح العملية الدستورية في تونس، فالقادة علي إستعداد لتقديم تنازلات في مواجهة المعارضة الايديولوجية.
ولكن علي النقيض، عندما كان محمد مرسي رئيسًا لمصر، أثبت عدم رغبته في التفاوض أثناء عملية صياغة الدستور، وكان بإمكان جماعة الإخوان إظهار حسن النوايا من خلال الاعتدال في الأحكام الإسلامية، التي أرادت دمجها، ولكن بدلا من ذلك منح الإخوان سلطة دستورية لرجال الأزهر، والتوصل إلي حل وسط لم يكن ليحبط وحده الاحتجاجات التي اطاحت بمحمد مرسي، ولكنه كان من الممكن أن يكون مؤشرا علي استعداده ليحكم بإسم الشعب كله وليس فقط باسم هؤلاء الذين صوتوا للإخوان.
أن الرغبة في تقاسم مسئولية الحكم هي العامل الابرز الذي يفصل بين النجاح النسبي الذي حققته تونس وكارثة مصر، فقد حكم حزب النهضة كجزءا من حكومة ائتلافية مع احزاب علمانية، وفشلت تلك الاحزاب في كثير من الاحيان في اتخاذ قرارات حاسمة خاصة الاقتصادية، ولكن تشكيل حكومة ائتلافية ساهم في عدم اتهام حزب النهضة ببطء وتيرة التغيير الاقتصادي وحده، ولكن علي الحكومة بشكل عام، وعلي النقيض فشل مرسي في تشكيل حكومة ائتلافية، وهو ما أدي لتحمله وحزبه انهيار الاقتصاد.
هذه المشكلة ليست جديدة، حيث كانت الحكومات الاستبدادية هي لعنة الدول العربية منذ القضاء علي الاستعمار، فالشعب العربي يفتقر إلي الثقافة السياسية الناتجة عن التقاسم الديمقراطي للسلطة، وهذا يوضح كيف حاول مرسي ان يحكم دون تقديم اي تنازلات وكيف اعتبره المتظاهرون ديكتاتورا يجب ان يخلع حتي وإن كان منتخبا ديمقراطيا.
بعد التصديق علي الدستور سوف تنتخب تونس رئيسا وللأسف فإن مسودة الدستور تمنح هذا المنصب سلطة كبيرة، ولكن يجب أن يعي الرئيس القادم دروس الائتلاف، وبالنسبة لمصر، فإن الديمقراطية سوف تكون قابلة للاستدامة اذا تم تقاسم السلطة بمقتضي دستور جديد لا يضع السلطة في يدي رجل واحد – فقط- بل في ايدي مجموعة واسعة من ممثلي الشعب.
بقلم : نوح فيلدمان
المصدر: وكالة بلومبيرج







