تعد المساعدات التي قدمتها دول الخليج الثلاث إلي مصر بنحو 12 مليار دولار حقاً شريان الحياة المالي بالنسبة لمصر، حيث يجب ان تساهم علي المدي القريب في استعادة الثقة الاقتصادية وتدعم احتياطيات العملة الصعبة بالبنك المركزي التي أوشكت علي النفاذ، في حين ينبغي أن تصبح تلك المساعدات علي المدي القريب نقطة انطلاق للاصلاح الحقيقي.
جاءت الوعود الخليجية بتقديم المساعدات المالية لترسيخ سلطة الحكومة الجديدة في القاهرة بعد عزل الجيش المصري للرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي.
إن المساعدات المالية بقيمة 5 مليارات من السعودية و4 مليارات من الكويت و3 مليارات من الإمارات العربية المتحدة حاسمة لمساعدة مصر في تجنب أزمة اقتصادية في القريب العاجل، كما ينبغي ان تساعد حزمة الانقاذ الخليجية – التي تعد مزيجاً من المنح والقروض وودائع بالبنك المركزي ومنتجات البترول – القاهرة في معالجة المشكلات المتنوعة التي تواجهها مصر مثل نقص الوقود وانخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار.
إذا لم يقف الاقتصاد المصري علي قدميه فلن تنجح أي محاولة لحل الأزمة السياسية العميقة في البلاد، حيث يعاني كثيرون من الفقر والبطالة وإرتفاع أسعار السلع خاصة الغذائية منذ فترة طويلة، الجدير بالذكر أن المشاكل الاقتصادية كانت من الأسباب الرئيسية للثورة التي أطاحت بحسني مبارك، في فبراير عام 2011 المستبد الذي حكم مصر لمدة ثلاثين عاماً.
إذا كان مبارك قد فعل القليل لمعالجة المحنة الاقتصادية لغالبية الشعب المصري، فإن مرسي قد تجاهل تماماً الأزمة المالية وتمكن من تجنب الانهيار الاقتصادي بفضل التدفقات النقدية من قطر وليبيا وتركيا، بينما يساعد دعم السعودية والإمارات والكويت الحكومة الجديدة في تجنب حدوث أزمة فورية، ستستمر معاناة قطاع الأعمال مادامت المشاكل الأمنية لم تحل،وحتي يتحقق قدر من الاستقرار والقدرة علي التنبؤ، سوف يواصل الدولار في السوق السوداء ازدهاره، حيث أن تلك التجارة لم يقض عليها – تماما – رغم تعويم الجنيه المصري بشكل رسمي والإدارة المتشددة للبنك المركزي من خلال مراقبته لعمليات تداول العملة الأجنبية، وانعدام الثقة في العملة المحلية التي تراجعت بنسبة 12% منذ شهر ديسمبر لن تستعيد عافيتها بسهولة في المدي القريب.
ونظراً لارتفاع معدلات البطالة التي قفزت من 9% إلي 13%، وغلق أكثر من 4500 مصنع وفقاً لاتحاد الصناعات المصرية، وتعطش الصناعة إلي السيولة، سوف يتعين علي الحكومة المؤقتة وضع تدابير لبناء الثقة التي تساعد الشركات علي إعادة تشغيل عملياتها، وسوف يكون دفع مستحقات الموردين المحليين والدوليين خطوة أخري علي الطريق الصحيح، كما ينبغي – أيضا – تنشيط المشروعات الصغيرة والمتوسطة، خاصة أن مصر في حاجة الي عقد اجتماعي جديد بين الحكومة ورجال الأعمال والعمال بما في ذلك الحد الادني للاجور.
رغم أن قائمة الاحتياجات مرعبة، فقد تُجبر الحكومة الجديدة علي إصلاحات اقتصادية أكثر مما يتصور العديد، إن تعيين رئيس الوزراء التكنوقراطي حازم الببلاوي وزياد بهاء الدين نائباً له وأحمد جلال وزيرا للمالية هو بالتـأكيد خطوة علي الطريق الصحيح، فجميعهم أكفاء يتمتعون بخبرة دولية ويعرفون كيفية استعادة مصر من حافة الهاوية.
تترقب الأسواق الأن لتري ما اذا كان بامكان الحكومة الجديدة استعادة استقرار الاقتصاد الكلي والثقة والمصالحة السياسية، خاصة أن مزيداً من التراجع الاقتصادي سوف سيعزز موقف مؤيدي مرسي.
قد تثبت الستة أشهر المقبلة أنها من أكثر الفترات الحاسمة لاصلاح الوضع السياسي والاقتصادي لمصر، وتحقيق قدر من الاستقرار لن يجذب فقط السياح الذين باتوا في عداد المفقودين مرة اخري بل المستثمرين أيضا، أمام أمام مصر فرصة لمعالجة كل ويلاتها ويجب ان تقتنصها.
بقلم: جون سفاكياناكس
المصدر: فاينانشيال تايمز