بقلم: أناتول ليفين
لا تغير الحاجة الماسة لرد أمريكى فورى لإحباط المزيد من استخدام الأسلحة الكيميائية من المعضلة الجوهرية التى تواجه السياسة الأمريكية التى لا ترغب فى ترجيح كفة أى طرف من أطراف المعركة الدائرة الآن.
فإذا انتصر أى طرف من الأطراف، فإن هذا يعنى مذبحة وتطهيراً عرقياً للطرف الآخر، بالإضافة إلى زيادة تهديد الإرهاب الدولى، وهو ما يعرفه صناع السياسة.
ويفسر هذا التوجه سبب الحذر من جانب الرئيس أوباما، لذا ما ينبغى على الحكومة فعله الآن هو التفكير بجدية فى ملامح حقيقية لتسوية سلمية فى سوريا، وأن تستغل الأزمة لإعادة النظر فى استراتيجيتها ككل فى الشرق الأوسط.
وإذا لم تتفكك دولة سوريا على المدى البعيد، فسوف تنشأ الحاجة لتسوية سلمية تضمن مشاركة السلطة بين الجماعات العرقية والدينية المختلفة فى سوريا، كما أن اشتراك روسيا وإيران والعراق فى مثل هذه التسوية أمر ضرورى.
وبالتالى تحتاج الولايات المتحدة لفصل خطابها الأخلاقى الذى يبرر الهجوم على سوريا عن اللغة التى تستخدمها تجاه موسكو أو طهران أو بكين فيما يتعلق بسوريا، وأعتقد أنه من المفيد بهذا الخصوص أن يتذكر المسئولون الأمريكيون حقيقتين، الحقيقة الأولى أن مخاوف روسيا من انتصار المعارضة ليست شريرة ولا غير عقلانية وعلى العكس يشاركها فيها الكثير من المحللين فى وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية الأمريكية والحكومة الإسرائيلية.
والحقيقة الثانية هى أنه فى عام 1988، عندما استخدم صدام حسين أسلحة كيميائية ضد المتمردين الأكراد والقوات الإيرانية، التزمت الولايات المتحدة الصمت عما حدث لكيلا تغلب الجانب الإيرانى على العراقي.
والصمت من جانب واشنطن الآن لا يبرر عدم اتخاذ خطوات فى هذا الملف وإنما هو بالتأكيد يثبط عملية شيطنة من يخشون عواقب التدخل العسكرى الأمريكى فى سوريا.
وتكمن أهمية روسيا فى الصراع السورى فى علاقاتها الجيدة مع حزب البعث وإيران، وبالتالى فإن إحدى العواقب السلبية للغاية لتصعيد الأزمة السورية هى تقويض احتمالية فتح حوار جديد مع إيران.
وإحدى المشكلات المحزنة التى تسببها الحرب الأهلية السورية للسياسة الأمريكية أنها تعمق تحالفاتها ضد إيران مع الدكتاتوريات السنية فى الخليج التى تدعم المتمردين السوريين.
وهذا التحالف يتنافى مع قيم أمريكا الديمقراطية، خاصة أنها متضامنة مع الحكومة الشيعية فى العراق،كما أن رعاية التطرف الإسلامى السنى من بعض تلك الدول يعرض الأمن الأمريكى للخطر.
واستخدام موسكو لتنمية علاقات جديدة مع إيران ليس ضرورياً فقط لحل المشكلة النووية الإيرانية وحل الصراع السورى فى النهاية وإنما له أهمية على المدى البعيد فى استعادة الاستقرار فى الشرق الأوسط.
ومن الجدير بالإشارة أنه رغم أن روسيا تحتفظ بعلاقات جيدة مع إيران، فإنها مستعدة للتعامل بصرامة أحياناً مع هذه الدولة، فعقوبات الأمم المتحدة الأخيرة وافقت عليها روسيا والصين وكان لها أثر بالغ على الاقتصاد الإيرانى ويبدو أنها ساهمت بشكل كبير فى انتصار حسن روحانى فى الانتخابات.
وبالطبع ستكون التسوية السلمية فى سوريا صعبة للغاية، وربما لن يتم التوصل إليها حتى يتحارب الطرفان ويصلا إلى حالة الإجهاد.
ورغم ذلك، فإن الملامح الرئيسية لأى تسوية طويلة المدى أصبحت اوضح الآن كما هى الحاجة للمشاركة الإيرانية والروسية، وينبغى على الولايات المتحدة بينما ترسل إشارة عسكرية قوية للنظام فى دمشق وغيرها لعدم استخدم سلاح كيميائى مرة أخرى، أن تكثف من جهودها لوضع قاعدة دبلوماسية لهذه التسوية النهائية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: جريدة نيويورك تايمز