بقلم: جدعون راتشمان
لطالما كانت الأحداث فى الشرق الأوسط تتسبب فى تقلبات مزاجية حادة، فبعدما استقبلت الولايات المتحدة وأوروبا الربيع العربى فى أوائل 2011 بفرحة عارمة، أصبح المزاج يائسا بعد الإطاحة بالحكومة فى مصر والهجوم بالأسلحة الكيميائية فى سوريا.
والآن تجددت الآمال مرة أخرى بعد المكالمة الهاتفية التاريخية بين الرئيسين الأمريكى والإيراني، باراك أوباما وحسن روحاني.
وتوحى التجارب المريرة إلى أن التشاؤم بشأن الشرق الاوسط هو الرهان الأكثر أمنا، وبالتأكيد من الأسهل التحدث عن كل الطرق التى يمكن أن تؤدى إلى سوء الأوضاع أكثر، وتخيل سيناريو كئيب للمنطقة خلال السنوات المقبلة.
كما قد يصبح الوضع المأسوى فى الشرق الأوسط حاليا أكثر سوادا، وسوف يتفنن الصحفيون فى كتابة سيناريو النهاية ثم يذهبون لتناول العشاء، لذا ينبغى على القادة السياسيين بذل جهد أكبر، فمن بين وظائفهم تحويل الظروف غير الواعدة الحالية إلى ظروف أفضل.
وفى الواقع من الممكن رؤية كيف يمكن أن تسير الأمور فى الشرق الأوسط فى المسار الصحيح أو الخاطئ على حد سواء، وتعد إيران أول نقاط التفاؤل فى المنطقة، فبالرغم من أن المكالمة الهاتفية بين الرئيسين كانت مختصرة، فقد كانت تاريخية، ويعكس هذا الإنجاز حقيقة أن الطرفين لديهما حافز قوى للتوافق. ورغم اختلاف الطرفين بشأن سوريا، فإن حكومة أوباما تسعى جاهدة لتجنب حرب أخرى فى الشرق الأوسط، وسوف يُنظر للاتفاق مع إيران كانجاز لأوباما فى السياسية الخارجية وعلاوة على ذلك فسوف يمنحه قوة داخلية فى بلاده.
وفى نفس الوقت إيران لديها أسباب قوية تدفعها للتحرك باتجاه مصالحة، فالعقوبات تخنق اقتصادها، ودعم بشار الأسد فى سوريا بمثابة عبء كبير.
ومع انخفاض احتمالية نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران، فإن التوصل لاتفاق بشأن البرنامج النووى من شأنه أن يحسن فرص التوصل إلى نهج دولى مشترك بشأن سوريا.
وأدت الأحداث مؤخرا إلى تقوية دوافع اللاعبين الخارجيين الكبار للتوصل لاتفاق دبلوماسي، فبالرغم من وجود إغراءات قوية لروسيا وإيران والسعودية والولايات المتحدة لدعم وكلائهم فى الحرب السورية حتى النهاية، فإن كل تلك الدول تخشى احتمالية وقوع سوريا فى فخ التفكك وعدم سيادة القانون ما يوفر ملاذا للقاعدة. وعادة يكون من الأسلم افتراض فشل المحادثات بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطيني، ولكن قد تتغير الاحتمالات هنا أيضا فمع سقوط الإخوان المسلمين فى مصر ضَعُفت حماس بشدة فى قطاع غزة، وهذا يسهل على السلطة الفلسطينية برئاسة محمد عباس التوصل لتسويات مع إسرائيل.
وتبدو دوافع إسرائيل للتوصل لاتفاق أقل وضوحا بالنظر إلى الاضطرابات فى المنطقة وانجراف السياسة الإسرائيلية نحو اليمين المتطرف، ولكن حكومة بنيامين نتنياهو لا يمكنها ببساطة تجاهل العزم الدبلوماسى للولايات المتحدة.
ويرى دينيس روس، الذى قاد الدبلوماسية الأمريكية فى عملية السلام فى الشرق الأوسط لسنوات عديدة، علامات على أن إسرائيل تتغير، وقال إنه بالرغم من أن نتنياهو يقول إنه لا يوافق على حل الدولتين، فقد أطلق سراح سجناء فلسطينيين وهذا أمر ليس سهلا عليه.
كما قد يتحسن الوضع فى مصر، إذا انتعش الاقتصاد وعاد السائحون، وهذا بدوره قد يخلق ثقة لدى الجيش ليعتمد على نهج أقل سلطوية، وفى تونس يبدو أن فرص الانقلاب العسكرى قد تضاءلت مع قرار الحكومة الإسلامية بالتنحى الأسبوع الماضي.
ولدى الشرق الأوسط طريقة فى جعل المتفائلين يبدون حمقاء، ولكن منذ شهرين من كان يتوقع أن يتبادل الرئيسان الأمريكى والإيرانى التحية عبر الهاتف وأن سوريا سوف توافق على التخلى عن أسلحتها الكيميائية.
وتمثل هذه الأنباء الجيدة أسسا يمكن الوقوف عليها لمحاولة وقف الفوضى وإراقة الدماء الذى اجتاح الربيع العربي.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز








