تملك إندونيسيا إمكانيات هائلة للنمو في المدى الطويل، حيث يتزايد عدد سكانها الكبير بسرعة عالية وبتركيبة ملائمة مع تصاعد في الثراء. كما أن لإندونيسيا ثروة ضخمة من الموارد الطبيعية بالإضافة إلى وجود قطاع خاص شديد الحيوية يمثل الرافعة لآفاق النمو المستقبلي لهذا البلد. وقد تقدمت إندونيسيا سلفاً إلى المركز السادس عشر على مستوى العالم من حيث حجم الاقتصاد بناتج محلي إجمالي بلغ 878 مليار دولار أمريكي في عام 2012، كما كانت الدولة الثالثة الأسرع نمواً بين دول مجموعة العشرين خلال الأعوام 2008- 2012. وبهذه المعطيات الاقتصادية القوية، فإن إندونيسيا مرشحة للنمو بمعدل سنوي عالي جداً. إلا أن هناك، وفقاً لمجموعة QNB، ثمة مخاطر على مستقبل النمو الاقتصادي لهذا البلد بما يجعله أقل من الممكن عند مستوى يتراوح بين 5% إلى 6%. ففي المدى القصير، بإمكان العجز الآخذ في الاتساع في الحساب الجاري وتواصل هروب الأموال من الاقتصاديات الناشئة أن يقودا إلى زعزعة استقرار الاقتصاد. أما في المدى المتوسط، فإن ضعف الإنفاق على البنية التحتية يهدد بحبس النمر الاقتصادي الإندونيسي وراء قضبان النقص الشديد على الطلب.
تعتمد إمكانيات النمو في إندونيسيا في المدى الطويل بصفة أساسية على العنصر السكاني حيث أنها الدولة الرابعة في العالم من حيث الكثافة السكانية (244 مليون نسمة).
فعدد سكانها الذي يشكل الشباب غالبيته ينمو بسرعة كبيرة، مع تسارع الزيادة بصفة خاصة في حجم الطبقة الوسطى التي تشكل قاعدة للاستهلاك.
كما أن الناتج المحلي الإجمالي للفرد قد ارتفع بأكثر من الضعف خلال 12 سنة إلى 4,977 دولار في عام 2012 على أساس تعادل القوة الشرائية.
إن حجم النمو المتاح لهذا البلد مذهل حقاً: كان هناك 35 مليون مشترك جديد في خدمة الحامل الجوال خلال سنة 2012 فقط. إضافة لذلك، سيكون هناك 90 مليون فرد جديد من مستهلكي الطبقة الوسطى بحدود عام 2030، وذلك وفقاً لتقرير صدر مؤخراً من الشركة الاستشارية ماكينزي. كما تتمتع إندونيسيا بثروة هائلة من الموارد الطبيعية: فهي أكبر الدول المصدرة للفحم في العالم، وكانت سابقاً أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال (قبل أن تزيحها دولة قطر وتحتل المركز الأول محلها)، ولها مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة التي تنتج محاصيل ذات قيمة عالية، مثل أشجار زيت النخيل والمطاط، كما تملك قطاعاً تعدينياً ضخماً ينتج العديد من المعادن مثل الصفيح والذهب وغيرهما من الكثير من المواد الأساسية. وبهذه الأسس الاقتصادية القوية، يمكن لإندونيسيا أن تحقق نمواً قريباً من النسب العالية التي حققتها الصين خلال السنوات الأخيرة.
بالرغم من هذه القدرات الكامنة القوية، فقد دخل الاقتصاد الإندونيسي مؤخراً في منطقة وعرة. حيث اتسع العجز في الحساب الجاري ليصل إلى نسبة 4,4% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من عام 2013، وأدى انخفاض أسعار السلع وتراجع صادرات الموارد الطبيعية إلى خفض عائد الصادرات. وفي نفس الوقت، تواصل الطلب المحلي بقوة دافعاً فاتورة الواردات لأعلى. كما اهتزت ثقة المستثمرين أكثر بإعلان بنك الاحتياطي الأمريكي في 18 مايو 2013 عن نواياه الهادفة لخفض برنامج شراء الأصول (المعروف باسم “التخفيف الكمي”). وقد أدى ذلك لانسحاب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة بما فيها إندونيسيا، مع مشكلات السيولة بالدولار الأمريكي. وقد أدى تزاوج عاملي العجز المتسع في الحساب الجاري وهروب الأموال إلى تآكل حادّ في قيمة الروبية وإلى تصحيح في سوق المال إلى نسبة 23,9% من الذروة التي وصلت إليه خلال الفترة من مايو إلى نهاية أغسطس 2013. ونتيجة لذلك، تراجع النمو في الاستثمار بالأسعار الثابتة من 9,8% في 2012 إلى 4,7% في عام 2013 (على أساس سنوي).
ووفقاً لتقديرات مجموعة QNB، فإن ضعف نمو الاستثمار وتراجع الصادرات سيقودان إلى انخفاض في النمو العام للناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة من 6,2% في عام 2012 إلى 5,5% في عام 2013، ثم إلى 5,1% في عام 2014. وتظل مخاطر المدى القصير قائمة بأن ينخفض النمو لأبعد من ذلك في حال لم يتحقق تعافي الاقتصاد العالمي على النحو المنشود أو في حال حدوث انعكاسات خطيرة من خفض برنامج “التخفيف الكمي” الأمريكي. كما أن تباطؤ النمو العالمي وضعف الطلب الخارجي قد يؤديان إلى تراجع في أسعار السلع ثم اتساع أكبر في عجز الحساب الجاري لإندونيسيا. وإذا تم فعلياً تنفيذ خفض برنامج “التخفيف الكميّ” (يتوقع حالياً أن يبدأ في مارس 2014)، فإن بإمكان ذلك أن يعيد اشتعال هروب الأموال من الاقتصاديات الناشئة، ومن ثم زعزعة الاقتصاد الإندونيسي. ومن المرجح أن تقود هذه العوامل لمزيد من تآكل ثقة المستثمرين وإلى مزيد من تراجع النمو خلال العامين 2013 و2014.
إلا أن مخاطر المدى المتوسط على النمو هي التي تثير مخاوف أكبر مما سبق ذكره. فإندونيسيا تعاني من انخفاض الاستثمار في البنية التحتية (أنظر الجدول)، والذي تراجع بحدة من ما يزيد عن نسبة 7% من الناتج المحلي الإجمالي قبل الأزمة المالية للأسواق الآسيوية (1997-1998) إلى حوالي 2% في عام 2000، ثم ظلت النسبة تتراوح بين 3% و4% من ذلك الحين. ووفقاً لأرقام البنك الدولي، فإن هذه النسبة أقل بكثير من متوسط مستويات الاستثمار في البنية التحتية التي تزيد عن 7% من الناتج المحلي الإجمالي للدول المجاورة: الصين وتايلاند وفيتنام.