تناولت جريدة الفاينانشيال تايمز الأوضاع السياسية والاقتصادية لمصر فى ملف نشرته أمس الأربعاء، وقدمت فيه تحليلاً للوضع الاقتصادى يصاحبه آراء مسئولين حكوميين وخبراء اقتصاديين، كما تعاملت فيه مع بعض مشكلات الاقتصاد الكلى وبعض الصعوبات التى تواجه قطاعات بعينها مثل الغاز والغزل والنسيج، أما على الصعيد السياسى فقد تناولت تصدر الجيش الساحة السياسية مجددا ونصحت بعدم إقصاء الإخوان نظراً لأن مشروعهم قائم على فكرة، والفكرة يصعب قتلها، واستشهدت بعودة الحركات الإسلامية للمشهد السياسى فى إيران وتركيا وتونس رغم قمعها لعقود.
تعافى الاقتصاد الهش مازال أسير الأحداث السياسية
بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات التى ضربت الاقتصاد المصرى وتوقف النمو والتراجع الخطير فى مستوى احتياطيات النقد الأجنبى، يرى المسئولون والمحللون أن الأسوأ قد انتهى، ولكنهم يحذرون من أن التحسن الاقتصادى الذى شهدته مصر مازال هشاً وأسيراً للتطورات السياسية فى بلد تمر بمرحلة انتقالية أخرى مضطربة على خلفية الانقسام الحاد بين مؤيدى ومعارضى الإخوان المسلمين.
هناك قلق آخر يساور الاقتصاديين ورجال الأعمال ألا وهو أن الانفراجة الطفيفة فى أزمة الاقتصاد المصرى مؤخرا، والذى يعود الفضل فيه إلى سخاء بلدان الخليج الغنية بالبترول، قد يؤدى إلى تأجيل الإصلاحات الهيكلية اللازمة لاستدامة الاقتصاد إلى أجل غير مسمي.
قال محمد أبو باشا، خبير اقتصادى لدى البنك الاستثمارى ايه اف جى هيرميس، إنه من المبكر جدا أن ندعو إلى إجراء إصلاحات مطلقة فى الاقتصاد الكلى نظرا للاضطرابات المستمرة على الصعيد السياسي، وبالرغم من ذلك يرى البنك أن الاقتصاد المصرى قد وجد أخيرا أرضية يقف عليها.
بحسب صحيفة الفاينانشيال تايمز فقد تراجعت احتياطيات النقد الأجنبى بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسى إلى أقل من مستوياتها الحرجة لتغطى ثلاثة أشهر من الواردات وتوسع عجز الموازنة فى السنة المالية المنتهية فى 30 يونيو إلى %14.
ولكن الحزم السخية التى منحتها كل من الامارات العربية المتحدة والكويت والسعودية إلى مصر فى صورة قروض فضلا عن منتجات الوقود المجانية قد حالت دون انهيار الاقتصاد المصرى ومنحت الحكومة متنفسا فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد من عائدات السياحة الهزيلة والغياب شبه الكامل للاستثمار الأجنبي، كما مكنت تلك الحزمة الحكومة من سداد 3 مليارات دولار إلى قطر، الداعم الرئيسى لنظام الرئيس السابق محمد مرسى والتى قد ساءت العلاقات معها فى الوقت الحالي.
قال زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية، أعتقد أنه حالما تم الانتهاء من الاستفتاء على الدستور فى يناير المقبل، الخطوة الأولى فى المرحلة الانتقالية، بطريقة هادئة ومرضية، فيمكن القول بأن ذلك سيكون حقاً نقطة الانطلاق.
ارتفع الاحتياطى النقدى إلى مستوى أكثر أمناً ليبلغ 18 مليار دولار وتراجعت تكلفة الحكومة للاقتراض من %14 فى يونيو الماضى إلى %10.6 فى ديسمبر، ويتوقع البنك الاستثمارى ايه اف جى هيرميس ان ينخفض عجز الموازنة إلى %11 فى السنة المالية المنتهية فى يونيو 2014، يقول المسئولون إن نسبة العجز ستقترب من %10 ويتوقعون أن يزداد النمو فى السنة المالية الحالية بنسبة %3.
أتاحت المساعدة الخليجية الفرصة للحكومة المصرية لتبنى سياسة مالية توسعية لتحفيز الاقتصاد وخلق فرص عمل ومقابلة بعض الاحتياجات الاجتماعية، فضلاً عن تنفيذ الحد الادنى للأجور لعاملى القطاع العام بدءاً من يناير المقبل، فقد أطلقت الحكومة حزمة تحفيز موجهة للبنية التحتية بقيمة 3.2 مليار دولار، وسوف يتم إنفاق معظمها على المدارس والوحدات الصحية وإدخال الكهرباء إلى القرى ومشروعات الصرف الصحى وتطوير السكك الحديدية.
قال انجوس بلير، رئيس البحوث السابق ببنك الاستثمار بيلتون فاينانشيال، إن تأثير السياسة التحفيزية لم يتضح حتى الآن ولكن المهم فى الأمر أن الحكومة تحاول أن تفعل شيئا من أجل تحسين المؤشر الاقتصادي.
شركات تثبت مرونتها خلال الاضطرابات
اتخذت جريدة الفاينانشيال تايمز ثلاث شركات كنماذج ناجحة أدارت الأزمة السياسية لصالحها وتميزت بالمرونة وحققت أرباحاً، وتلك الشركات هى عامر جروب وغبور أوتو وليسيكو للأدوات الصحية والسيراميك.
فبالرغم من أن الكثير من الشركات المصرية عزفت عن التوسع والدخول فى مشروعات مشتركة جديدة بعد ثورة 2011، فقد وفر الاضطراب السياسى فرصاً للبعض الآخر.
واختارت عامر جروب للتطوير العقارى اللحظة المناسبة لتعزيز محفظتها من الممتلكات العقارية.
وعن ذلك يقول عمر عامر، نائب رئيس مجلس إدارة المجموعة وابن مؤسسها، إن الفرص تكمن فى الاضطرابات، مضيفا أن معظم ممتلكاتهم كان من الصعب شراؤها قبل 2011 وهذا لأن الطلب عليها كان عاليا، أما بعد الثورة لم يعد أحداً راغباً فيها، لذا قررت المجموعة إن هذا وقت توسيع الحصة السوقية.
ويقول المحللون إن سياسة التنويع التى اتبعتها المجموعة ستساعدها على مواصلة نموها القوي، ففضلاً عن المنتجعات، اتجهت المجموعة لتطوير المنازل السكنية خاصة فى العاصمة.
وتتطلع الشركة إلى الخارج ولديها مشروعات فى منطقة البحر الميت فى الأردن ومنطقة أغادير فى المغرب، بالإضافة إلى فندق فى طرطوس بسوريا الذى وصفه عمر عامر بأنه ناجح للغاية.
والنموذج الثانى الذى تبنته الجريدة البريطانية هو شركة غبور أوتو التى تعد اكبر شركة سيارات فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتجميع وتصنيع السيارات والدراجات البخارية والمركبات التجارية ومعدات النقل، كما أنها تقدم تمويل مشروعات وخدمة ما بعد البيع.
واعتمدت الشركة على التنويع الإقليمى ما ساعدها على تحمل الاقتصاد المصرى المضطرب خلال الثلاث سنوات الماضية، ودخلت الشركة فى مشروع مشترك فى العراق فى عام 2010 والذى يشكل حالياً %30 من مبيعات السيارات هناك، كما بدأت مشروعات فى الجزائر وليبيا والأردن، وعلاوة على ذلك، تفتتح أسواق تصدير فى أفريقيا جنوب الصحراء.
وبالرغم من تراجع صافى الدخل فى الربع الثالث بنسبة %89 من 65.4 مليون جنيه فى نفس الربع العام الماضى إلى 7.5 مليون جنيه، فقد كان الربع الثانى أفضل نسبيا بانخفاض مقداره %72 عن الربع الثانى فى 2012.
وتشكل سيارات الركاب %70 من أعمال غبور ، وبالرغم من تراجع مبيعاتها إلا ان الشركة حافظت على حصتها السوقية بنسبة %30.
وقالت منة الله صادق، المدير التنفيذى للشركة، إنها واثقة من تحسن مبيعات السيارات نظرا لأن السوق المصرى سوق غير متشبع لأن كل 23 فرداً فقط يمتلكون سيارات من كل 1000 مواطن.
وأطلقت الشركة مشروع تمويل متناهى الصغر لتعزيز مبيعات «التوك توك»، وبالفعل ارتفعت المبيعات من 40.000 وحدة قبل الثورة إلى 70.000 وحدة فى 2012.
أما شركة ليسيكو فقد استفادت من زيادة الطلب على الأدوات الصحية بعدما استغل المقاولون ضعف الدولة وأقاموا مبانى غير مرخصة، هذا بالإضافة إلى لجوء الكثيرين للاستثمار العقارى باعتبارها ملاذاً آمناً بعدما خسر الجنيه المصرى حوالى %16 من قيمته.