قامت «ذى بانكر» بتقييم أداء القطاع المصرفى المصرى خلال عقوده المختلفة، واصفة إياه بالمتماسك على غرار الاضطرابات السياسية والمظاهرات التى توالت فى الشارع المصرى وما لحق ذلك من انفجارات وأعمال شغب وسرقة.
أشارت «ذى بانكر» إلى أن حالة الركود العام لم تؤثر بشكل ملحوظ على أداء القطاع المصرفى المصرى، حيث إنه ظل ثابتاً، مشيرة إلى أن العامل الأساسى وراء هذا الصمود استمرار العمل والسير إلى الأمام وفى نفس الوقت هناك انتقادات للبنوك تبلورت فى ترددها فى الإقراض، سواء الشركات الكبيرة أو الجهات الحكومية تخوفاً من ارتفاع المخاطر.
ووصفت «ذى بانكر» الاقتصاد المصرى بأنه «يكافح من أجل البقاء»، فقد تمت الإطاحة بحكومتين فى غضون ثلاث سنوات، وتم قتل أكثر من ألف شخص فى اشتباكات مع قوات الأمن منذ عهد محمد مرسى، أول رئيس منتخب للبلاد، بالاضافة إلى التدهور الأمنى الذى ساد شبه جزيرة سيناء، ما أدى إلى نصح بعض الحكومات الدولية مواطنيها بعدم السفر إلى مصر وتعطل المناطق الجاذبة للسياحة.
ذلك بالإضافة إلى توقف الاحتياطيات الأجنبية فى مصر عن الارتفاع والذى كان المستوى ثابتاً عند 36 مليار دولار إلى 13 مليار دولار، ما وضع ضغوطاً كثيرة على نقل وشراء العملات الأجنبية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع المستوى العام للأسعار مما يصعب معالجة تلك المشاكل مع استمرار انخفاض الجنيه المصرى مقابل الدولار.
أشارت «ذى بانكر» إلى انه على الرغم من ذلك، فإن الاقتصاد المصرى حاول الصمود حيث حقق معدل نمو فى النصف الأول من عام 2013 بنسبة %2.1، حسب تصريح وزير التخطيط، أشرف العربى لوسائل الإعلام الرسمية، رغم أن هذه النسبة بعيدة عن معدلات النمو التى كانت محققة فى عهد الرئيس مبارك والتى بلغت فى المتوسط %7، ولكنها انخفضت بـ %0.1 فقط مقارنة بالعام السابق، وهو انجاز محقق.
استمر هذا الأداء الجيد والقوى خاصة بعد الدعم الذى قدمته دول الخليج الصديقة والذى قدمت حزم مساعدات مالية فى شكل قروض ومنح غير قابلة للاسترداد بالاضافة إلى منح الطاقة مجاناً، وبلغ اجمالى الحزمة 12 مليار دولار، ما ادى إلى تعزيز الاحتياطيات الاجنبية إلى ما يقرب من 19 مليار دولار فى سبتمبر، بالاضافة إلى السماح للبنك المركزى بتجنب انخفاض قيمة العملة والحكومة المؤقتة من تلبية التزاماتها قصيرة الأجل.
أداء قوى
ولا يثير إلى الدهشة، فإن الظروف لم تكن سهلة على القطاع المصرفى، فإن مشكلة الضغط على العملة المحلية بجانب هروب رؤوس الأموال الأجنبية أثرت سلباً على القطاع المصرفى والتى كانت متمتعة بمعدلات نمو مرتفعة حتى أوائل عام 2011، وعلى الرغم من ذلك استمر عدد كبير من البنوك المصرية فى تحقيق معدلات نمو مطردة وأثبتت أداءها بقوة.
أعلن على سبيل المثال بنك فيصل الاسلامى عن تحقيقه أرباحا قدرت بـ371 مليون جنيه (52.8 مليون دولار) فى النصف الأول من عام 2013 بزيادة قدرها %31 على العام السابق حيث سجل ارباحا بلغت 284 مليون جنيه، وفى نفس الوقت سجل بنك كريدى أجريكول مصر أرباحاً فى النصف الأول من عام 2013 لتصل إلى 365 جنيه، بزيادة قدرها %39 مقارنة بالعام المالى السابق عليه، بالاضافة إلى اعلان بنك التجارى الدولى والبنك الأهلى سوسيتيه جنرال تحقيق ارتفاع فى الأرباح.
قالت هالة صقر، نائب الرئيس التنفيذى ورئيس الخدمات المصرفية التجارية والاستراتيجية فى بنك «إتش إس بى سى – مصر» لدينا سوق شهد نموا كبيرا فى جميع القطاعات، ونحن نرى أعمالاً جديدة جيدة للعديد من اللاعبين فى الصناعة المصرفية».
قالت سحر نصر، كبير الاقتصاديين بقطاع التمويل وتنمية القطاع الخاص فى البنك الدولى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن الأداء القوى للصناعة المصرفية نتيجة الاصلاحات المالية والتشغيلية الواسعة التى بدأت فى 1990، مشيرة إلى انها استهدفت تعزيز معايير الشفافية والرقابة وتضمنت تعديلات ادارية بالاضافة إلى تطبيق معايير المحاسبة الدولية، مضيفة ان هناك ايضا ضخاً لرؤوس أموال ضخمة بجانب خصخصة بعض البنوك ودمجها.
قال شريف البحيرى، مدير التخطيط والتسويق وشئون الشركات مع بنك باركليز مصر، إنه منذ بداية عام 2000، تحول القطاع المصرفى فى مصر إلى قطاع ذى أداء ضعيف ما نتج عنه صناعة مؤسسات متحفظة ذات مخاطر قليلة وسيولة قوية ونسبة الودائع إلى القروض تصل 50:50 وبمحافظ ائتمانية تركز بشكل كبير على الشركات الكبيرة ومؤسسات الدولة وتمويل الدين الحكومى، مضيفاً أن كل هذه العوامل ساعدت البنوك المصرية فى التغلب على الأزمة المالية العالمية وعلى عدم الاستقرار السياسى، مؤكدا أن القطاع المصرفى المصرى لا يتأثر بأحداث الاقتصاد الكلى والمخاطر كثيرا مثل العديد من الدول والمناطق الأخرى.
حان الوقت للتفكير قليلاً
ولكن الطبيعة المتحفظة للبنوك، أدت بالبعض تتوجيه النقد لها لترددها فى اقراض خارج نطاق الشركات والجهات الحكومية الكبيرة وتجاهل الأعمال والشركات الصغيرة والتى يمكن أن تدفع النمو فى الاقتصاد المصرى.
قالت هدى سليم، خبيرة اقتصادية خلال منتدى البحوث الاقتصادية فى القاهرة، إن القطاع المالى لا يقوم إلا بإقراض الحكومة، ويفضل بصفة عامة أن يستثمر فى أذون الخزانة بدلاً من القطاع الخاص، مؤكدة أنه قرار غير مفهوم على حد قولها، مفسرة بأن البنوك تحقق أرباحا مضاعفة على أذون الخزانة وتدفع عوائد منخفضة على الودائع، مضيفة انها نسبة مصنوعة لأن هناك نسبة كبيرة من القروض التجارية تعطى للمؤسسات المملوكة للدولة أيضاً.
ومع ذلك، فإن هذا قد يصبح التزاماً على القطاع المصرفى باقراض الأعمال الصغيرة، ونتيجة تلك الحيازات الكبيرة من الديون السيادية خفضت «اى اتش اس» الاستشارية من تصنيف القطاع المصرفى إلى فئة «مخاطر كبيرة» فى يوليو، وفى نفس الوقت تعرضت البنوك المصرية إلى تكرار خفض التصنيفات من قبل وكالات دولية.
التركيز على الأعمال التجارية الصغيرة
تمت ممارسة ضغوط خارجية أيضاً على البنوك فيما يتعلق بالتنويع فى المجالات المختلفة، من خلال اقراض الشركات خارج نطاق الشركات الكبرى وذات رأسمال مرتفع مما يساعد على تعزيز النمو الاقتصادى ويعمل على رفع مستويات العمالة.
قالت داليا عبدالقادر، رئيس العمليات المصرفية ومدير التسويق والإعلام بالبنك العربى الأفريقى الدولى، إنه بالنظر إلى القطاع بشكل عام، فأعتقد انه يمكن ان يفعل اكثر للدولة شريطة الا يلعب الدور التقليدى، مشيرة إلى أن القطاع المالى فى مصر هو الذى يمكن أن يؤدى إلى النمو.
أكدت سحر نصر، أن هذا أيضاً يعد محوراً رئيسياً للعمليات المصرية فى البنك الدولى ومشكل لدفع الاقراض إلى المؤسسات والمشاريع الصغيرة ومتوسطة الحجم، قائلة: «نحن نحاول الضغط من أجل ان يكون القطاع المالى شاملاً».
تابعت نصر ان البنوك المصرية لا ينبغى ان تكون متحفظة وانه حان الوقت لدعم القطاع الخاص مشيرة إلى رغبة البنك الدولى فى بناء قدرات النظام المالى لخدمة مؤسسات القطاع الخاص وليس نفورا من المخاطر.
ولذلك، أصبح هذا الأمر فى مصب تركيز البنوك ، فعلى سبيل المثال، يبحث بنك باركليز زيادة نسبة القروض الموجهه لتمويل الشركات بـ %35 العام المقبل، وفقا للبحيرى، على الرغم من اشارته إلى أن شرائح العملاء الرئيسيين لا تزال تتمثل فى الشركات متعددة الجنسيات، والشركات المحلية الكبرى والافراد ذوى الملاءة المالية وأضيفت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى القائمة باعتبارها الشريحة الذى يتوقع ان تحقق معدلات نمو كبيرة، ذاكرا رأيه فى حتمية ان تلعب البنوك المصرية دورا لدعم الاقتصاد، والذى يشمل دعم جميع القطاعات الاقتصادية من جميع الاحجام على المستوى المحلى.
التحقق من الائتمان
لكن هذا الاتجاه الجديد يفتح آفاقاً من جانبى الصفقة، وذلك لأن الائتمان الممنوح للقطاع الخاص كان قليلاً، لذلك واجهت الشركات الصغيرة والمتوسطة مشكلة عدم القدرة على اقامة الجدارة الائتمانية، لذلك فإن هذا الوضع لم يستقر نتيجة النقص العام فى البيانات المالية المدققة بين الشركات الصغيرة.
ووفقاً لهالة صقر، فإن الأمور بدأت تتغير فى أواخر العشرة أو الاثنى عشر عاماً الماضية، قائلة: ولذلك فان البعض بدأ يشعر بالثقة المرتفعة فى البدء بالاستفادة من قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، من قبل البنوك فقد اعادت تشكيل نموذجها للاقراض وذلك لاحتواء الايرادات من الاصول الثابتة فى المستقبل، وبالتالى فان منتجات الاعمال التجارية أو الخطط الذكية النمو لابد ان تمنح قروضاً.
قالت نانسى المغربى، العضو المنتدب لشركة المال جى تى ام، إنه مازال يوجد هناك الكثير الذى يتعين القيام به، مشيرة إلى أن كمية الأوراق المالية المطلوبة تحجم الاستثمار للشركات الصغيرة والمتوسطة بالاضافة إلى أن البيروقراطية والروتين لهذه الشركات تمنعها من التوسع، مؤكدة ان الروتين لهذه الشركات أمر مثير للسخرية.
أسباب التفاؤل
ولكن هناك اسباباً اخرى للنظر إلى الأمور بايجابية، يتمثل الأهم فى انه حال انتعاش الاقتصاد الكلى بشكل عام، سيكون هناك زيادة فى الطلب على الخدمات المصرفية بالاضافة إلى أن مصر لها موقع استراتيجى، فهى مركز للتنمية ومازال هناك قطاع سياحة غير مستغل كليا وبالتالى الفرص الواعدة للنمو.
بالإضافة إلى قيام الحكومة المصرية فى سبتمبر 2013، بتنشيط الاقتصاد باستثمارات بلغت 4.2 مليار دولار وفقاً لـ «برنامج التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية» والذى يشتمل على مشروعات كثيفة العمالة وتحسينات فى بيئة الأعمال وإجراءات للقضاء على الفقر مثل الانخفاض فى أسعار السلع الأساسية وخدمات النقل.
هذا أيضاً بجانب، التصريحات التى توالت بإجراء المناقشات مع شركات قطاع الطاقة الأجنبية وذلك لزيادة الإنتاج والاستكشافات.








