رغم أن الرئيس المعزول محمد مرسى سعى لنفاقها، فإنه لم يكذب أو يخطئ عندما قال فى الاحتفال بعيد الداخلية، الذى يوافق ثورة 25 يناير، إن «الداخلية كانت ولا تزال فى القلب من الثورة».. فثورة قامت ضد ممارساتها عام 2011 وأخرى قامت تحت رعايتها نهاية يونيو 2013.
لم يكن أبرز المنجمين شططاً يتوقع أن الوزير، الذى اختارته جماعة الإخوان المسلمين بعناية لقمع الاحتجاجات والمظاهرات ضد حكم رئيسهم وحكومته، هو نفسه الذى تختاره ثورة 30 يونيو للتصدى لمظاهرات واعتصامات الجماعة التى تحولت فى عهده من جماعة حاكمة إلى جماعة إرهابية.
وإذا كان عام 2013 قد شهد تصدى وزير الداخلية وضباطه للعنف الذى تلى ثورة 30 يونيو واستهدفه هو شخصياً فى محاولة فاشلة لاغتياله، فإنه مطالب فى العام الجديد بتأمين الاستحقاقات الانتخابية الثلاثة التى ستشهدها البلاد، فضلاً عن تأمين محاكمات قيادات الإخوان، وسط أحداث عنف متفرقة وقنابل مزروعة هنا وهناك، تسرع الفرق المتخصصة للتعامل معها، والمخاوف التى ترتبط بعودة طلبة الجامعات للدراسة فى الفصل الدراسى الثاني، بعد ما شهده الفصل الأول من أعمال عنف غير مسبوقة، خاصة فى جامعة الأزهر، دفعت الحكومة للاستعانة بقوات الشرطة لتأمين الامتحانات.
اللواء محمد أحمد إبراهيم مصطفى، وزير الداخلية فى عهدى الرئيس المعزول محمد مرسى والرئيس المؤقت عدلى منصور.. ضد التظاهرات والاعتصامات على طول الخط.. دافع الرجل باستماتة عن قانون ينظم «الحق فى التظاهر»، واستخدمه صبيحة إقراره فى القبض على عشرات المتظاهرين والثوار الذين وقفوا ضد حكم الإخوان على طول الخط.
«إبراهيم» المولود فى محافظة السويس عام 1953 جاء وزيراً للداخلية بعد عامين من ترقيته لمنصب مدير أمن لأول مرة فى تاريخه الوظيفى وذلك بمديرية أمن أسيوط عام 2011، قبل أن يترقى فى عهد الوزير السابق أحمد جمال الدين، أغسطس 2012 ليتولى منصب مساعد أول وزير الداخلية، مديراً لقطاع مصلحة السجون، والذى ظل يعمل به حتى تكليفه بالوزارة فى 5 يناير 2013.
الوزير واجه التظاهرات منذ بداية توليه..فلم لم يكد يصل إبراهيم مبنى وزارة الداخلية إلا واجتاحت الشوارع المصرية موجة عارمة من الاضطرابات والانفلات الأمنى، اشتعلت فى الذكرى الثانية لثورة الـ 25 من يناير، وتعرضت بعض مقار جماعة الإخوان للحرق والتخريب، ووقع الكثير من الاشتباكات بين قوات الأمن والبلاك بلوك وشباب الألتراس بمحيط قصر العينى، ومجلس الشورى، والعديد من المحافظات أسفرت عن اعتقال أعداد كبيرة منهم، وتصاعد الهتافات المنددة بحكم مرسى ووزارة الداخلية، وبلغت حصيلة الوفيات فى هذا اليوم على مستوى الجمهورية حوالى 100 حالة، ليدشن عهداً قمعياً جديداً بعباءة إخوانية.
ومع اليوم الثانى لذكرى 25 يناير، اشتعلت الأحداث مرة أخرى، خاصة لتزامنها مع النطق بالحكم فى قضية «مجزرة ستاد بورسعيد» يوم 26 يناير 2013، وهى الأحداث التى راح ضحيتها 42 قتيلاً، وأكثر من ألف مصاب، ودفعت مرسى لإعلان حالة الطوارئ بمدن القناة لمدة 30 يوماً للسيطرة على الموقف، وهو ما سمته التقارير الحقوقية فى ذلك الوقت «القتل الممنهج والمدروس من قبل الأمن»، عندما تعاملت الوزارة حينها مع مشيعى جثامين من قتلوا أمام السجون أثناء تظاهرهم ضد سجن ذويهم نتيجة أحداث بورسعيد الأولى، بكل قوة وحزم.
فى تلك الفترة لم يسلم إبراهيم من غضب رجال الشرطة الذين اعتدوا عليه فى جنازة زميلهم فى اشتباكات بورسعيد، واتهموه بتوريطهم من جديد فى صراعات سياسية لصالح جماعة الإخوان، وهو الأمر الذى قرر الوزير العدول عنه فيما بعد.
ورغم التصدى الحازم الذى تعاملت به داخلية اللواء محمد إبراهيم مع معارضى الإخوان قبل تظاهرات الـ 30 من يونيو، فقد اختار إبراهيم أن ينحاز للمعارضة فى ذلك اليوم، وعدم التعرض لأى من تلك الحشود، ليترك مئات من علامات الاستفهام عند أنصار الجماعة الإخوانية.
وبرغم اشتعال الموجة الثورية فى 30 يونيو وعزل محمد مرسى من منصب رئيس الجمهورية، فإن وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، استمر على رأس الوزارة رغم الإطاحة بباقى وزراء حكومة الإخوان، ليتوجه بذلك سلاح الشرطة عقب تلك الأحداث نحو الإخوان لا معارضيهم، وخرج إبراهيم فى ذلك الوقت ليؤكد للجميع أنه «بعد مرور شهرين من تولى مسئولية وزارة الداخلية فى عهد مرسى أدرك أن هذا النظام لا يصلح لإدارة شئون البلاد»، وأنه قرر إعلاء مصلحة وزارته وعموم الشعب المصري.
وفى 14 أغسطس 2014 قاد وزير الداخلية خطة فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة بالقوة المفرطة، لينجح فى إخلائهما خلال ساعات بخسائر معدودة فى صفوف رجال الشرطة ومئات القتلى من أنصار جماعة الإخوان، لتنفجر بعد ذلك موجة من أعمال العنف والإرهاب من قبل الجماعات التكفيرية، وسط حالة من التخبط الشديد لوزارة الداخلية لمحاولة إثبات قدرتها على تأمين الشارع المصرى أو تأمين وزير داخليتها الذى طالته العمليات الإرهابية حين تعرض صباح 5 سبتمبر لمحاولة اغتيال أثناء مرور بشارع مصطفى النحاس بمدينة نصر، من خلال سيارة مُفخخة، باءت بالفشل، ليظهر بعدها الوزير واصفاً الحادث بمحاولة خسيسة لن تنال من عزيمة الشرطة فى التصدى للإرهاب.
وتوالت موجة الإرهاب التى استهدفت رجال الشرطة والقوات المسلحة ففى 19 أغسطس، كانت المذبحة الثانية لـ 28 مجنداً من جنود رفح، وفى 19 سبتمبر، اقتحم رجال الشرطة والقوات المسلحة قرية كرداسة فى الساعات الأولى من الصباح، وسط انتشار لدبابات ومدرعات الجيش فى الشوارع وتحليق المروحيات فى سماء القرية، واستشهد خلال الاقتحام اللواء «نبيل فراج» مساعد مدير أمن الجيزة.
وفى 17 نوفمبر، اغتالت يد الإرهاب الآثمة المقدم «محمد مبروك» الضابط بجهاز الأمن الوطنى، المسئول عن ملف جماعة الإخوان المسلمين، قبل أيام من إدلائه بشهادته أمام المحكمة.
ثم جاءت نهاية العام وتحديداً يوم 24 من ديسمبر بحادث تفجير مديرية أمن الدقهلية بواسطة سيارة مفخخة، استشهد على أثرها 3 ضباط شرطة و3 مجندين، بالإضافة إلى مئات المصابين، وكان الحادث بمثابة المسمار الأخير فى نعش جماعة الإخوان، حيث أصدر مجلس الوزراء بياناً أعلن فيه أن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانوناً هى جماعة إرهابية.
الوزير محمد إبراهيم يواجه حالياً تداعيات جميع أخطاء القوى السياسية والتى تنعكس فى أعمال عنف فى الشارع يواجهها بالقوة.. فى حين يرى الكثيرون أنها تحتاج حلولاً سياسية.