تفاقمت ديون مصر المحلية والخارجية خلال السنوات الثلاث الماضية بشكل أعيا من يديرها وجعله دوماً فى محاولات لتخفيضها وتحجيمها والبحث عن أدوات جديدة لتمويلها.. غير أن هذا الأمر ليس بالهين.. وكما نقول فى بلدنا «الدين هم باليل ومذلة بالنهار».. وعندما يصل هذا الدين إلى 1.5 تريليون جنيه فحتما «الهم» سيكون ليلا ونهارا.
يدير سامى خلاف محفظة ديون مصر الداخلية البالغ حجمها 1.5 تريليون جنيه، وهو ما يعنى أن الرجل يدير معظم ثروات المصريين المستثمرة فى الاقتصاد الرسمى.
تولى منصبه كرئيس لوحدة الدين الحكومى فى الهزيع الأخير من عام 2010 وقبل رحيل آخر سنوات الاستقرار التى عاشها المصريون حتى الان، وعلى بعد أيام من ثورة غيرت كل حساباته وتركته فى مهب الريح يواجه الارتفاعات الصاروخية فى محفظة وتكلفة ديون الحكومة نتيجة الفوضى التى عمت كل شيء، بما فى ذلك أداء 7 وزراء مالية و5 حكومات تعاقبوا على مصر فى غضون ثلاثة أعوام، فتحوا جميعهم باب الاستدانة من الداخل لتغذية العجز الذى لم يجرؤ أحد على التعامل معه.
ورغم الجهود التى يبذلها خلاف الذى يحمل الجنسية الفرنسية فى إدارة ديون الحكومة فالواقع يشير إلى أن محفظة ديون مصر الداخلية ستتضاعف منذ بداية الفترة التى أصبح مسئولاً فيها عن إدارة تلك الديون وحتى نهاية العام الحالى والتى لا تزيد على أربع سنوات.
فقد كان إجمالى الدين الداخلى عندما تولى خلاف منصبه 889.2 مليار جنيه فى ديسمبر 2010، وأصبح حاليا 1.5 تريليون جنيه، ووفقا لمعدلات الاستدانة الحكومية الحالية فإنه قد يصل إلى ضعف مستواه فى 2010 بنهاية 2014.
وليست محفظة الدين فقط هى التى تضاعفت فى عهد خلاف، فقد تضاعف العائد الذى تدفعه الدولة أيضا، حدث ذلك العام الماضى عندما توسعت الحكومة فى الاصدارات الاسبوعية بشكل غير مسبوق وقفزت أسعار الفائدة إلى حدود %17 على إصدارات السندات و%16 على أطول آجال الأذون، وهو ما تسبب فى أزمة سيولة طاحنة فى الجهاز المصرفى.
ويواجه خلاف فى الفترة الحالية تحديات عدة فى خلق موارد جديدة لأدوات الدين الحكومى بخلاف الأذون وسندات الخزانة وتنشيط السوق الثانوى للسندات وإضافة متعاملين جدد فى أدوات الدين الحكومى.
وحاول خلاف تنويع أدوات الاستدانة الحكومية خلال العامين الماضيين، لكن لم تنجح تلك المحاولات بالشكل المطلوب، فقد طرح فى العام 2012 السندات متغيرة العائد لمرة وحيدة ولم يتكرر ذلك. وفى العام 2013 طرحت وحدة الدين الحكومى السندات صفرية الكوبون وهى تتوسط الأجل بين السندات والأذون واستخدمت تلك الأداة فى تمويل جزء محدود من احتياجات الحكومة فى الربعين الثانى والثالث.
وينتظر أن يشهد العام الجديد طرح صناديق مؤشرات للاستثمار فى الدين الحكومي، وهو ما تعمل الوحدة على ترتيبه مع الهيئة العامة للرقابة المالية التى يشغل خلاف عضوية مجلس إدارتها.
كما ينتظر المستثمرون خلق سوق ثانوى قوى للسندات ويعولون على الوحدة بصفتها أكبر مصدر للسندات فى لعب دور كبير بهذا الخصوص مع كل من هيئة الرقابة المالية الموحدة والبورصة والمتعاملين الرئيسيين.
إضافة إلى ما سبق أصبح خلافاً مسئولاً عن الصكوك كأداة تمويل، وتدور تساؤلات عما إذا كان سيفعل هذه الأداة خلال العام الحالى أم سيتركها معطلة.
ويرغب قطاع متزايد من المستثمرين من البنوك وصناديق الاستثمار الإسلامية وشركات التكافل والأفراد فى رؤية أداة استثمار مالية اسلامية فى السوق على غرار السندات وهو ما ينتظرونه من رئيس وحدة الدين الحكومى.
لكن خلاف قال إن طرح صكوك يتوقف على أمرين الأول هو تعديل القانون الذى وضعه الاخوان المسلمون لهذه الأداة، والثانى توفر المشاريع التى يمكن تمويلها عبر هذه الأداة.
ويبدو أن الأمرين قد لا يتحققان فى عام 2014، وبالتحديد على صعيد توافر المشاريع التى يمكن تصكيكها، فمن وجهة نظر خلاف فإن المشاريع يمكن تمويلها أيضا عبر الاستدانة من مؤسسات التمويل الدولية، مثل البنك الدولى وغيره، وبفائدة أقل ولآجال أطول، وكل هذا ليس فى صالح الأداة الوليدة.
ويبلغ خلاف حاليا 65 عاما، ولديه خبرة متميزة بأسواق المال العالمية، وهو ابن الوزير السابق حسين خلاف وزير الشئون الخارجية فى عهد عبد الناصر، وهو مولود لأم فرنسية ومتزوج من فرنسية ويعيش جزءاً من عائلته فى فرنسا.
من أهم التحديات التى لابد أن يتصدى لها سامى خلاف تحويل الديون القصيرة إلى متوسطة وطويلة الأجل لتقليل فوائد خدمة الدين ما يسهم فى تخفيض التأثير على عجز الموازنة، خاصة فى الفترة الانتقالية الحالية.
وحتى الآن لاتزال الحكومة تعتمد بشكل كبير على الأذون كأداة مالية لتوفير احتياجاتها التمويلية. وتبلغ معدلات الاستدانة قصيرة الأجل فى الربع الثالث أكثر من %50 من إجمالى الاحتياجات التمويلية خلال تلك الفترة وهو ما يرهق الحكومة ويرفع تكلفة ديونها.
وفى حاله نجاح خلاف فى مهمته ستتراجع معدلات العجز فى الموازنة العامة للدولة، وستقل مزاحمة القطاع الحكومى للقطاع الخاص فى منح الائتمان، ما سيعطى البنوك مرونة فى منح القروض للقطاع الخاص.
والتحدى الكبير أمام خلاف حاليا هو خفض الفائدة التى يتعين على الدولة أن تدرجها فى موازنة العام المالى المقبل، والتى تزيد على 180 مليار جنيه فى العام المالى الحالى وتمثل أكثر من ربع الانفاق فى الموازنة.
وفى حال تراجعت تكلفة الدين فى الموازنة المقبلة فإن ذلك سيعطى الحكومة فرصة لتلقط أنفاسها وتقلل من نسبة العجز المالى.
الدكتور فخرى الفقى، مساعد المدير التنفيذى الأسبق بصندوق النقد الدولى، شدد على ضروة توافر سمات شخصية وعلمية فيمن يدير وحدة الدين العام منها درايته بجميع الأبحاث والمنشورات والمؤتمرات التى تعقد عالميا ومعرفة الطرق الحديثة التى تتم بمعالجتها بالاضافة إلى انه ينبغى أن يكون شخص ذكيا ويملك مهارات خاصه يستطيع العمل تحت ضغط مستمر ولفترات طويلة.
وانتقد الفقى ارتفاع سن رئيس وحدة الدين لما فوق الستين عاما، مشيراً إلى أنه ينبغى أن تتراوح سنه بين 45 سنة إلى 60 سنة حتى يكون لديه القدرة الكاملة على العطاء.
ورغم ذلك، فمن وجهة نظر فخرى الفقي، الذى يرأس اللجنة الاقتصادية بحزب الوفد، فإن أمام «خلاف» فرصة ذهبية حالياً نتيجة تكاتف الجهاز المصرفى، متمثلا فى البنك المركزى، معه فى خفض أسعار الفائدة على أدوات الدين الحكومي، ما أدى لزيادة فى حجم تعاملاتها.








